الدبلوماسية الخشنة.. سلاح يستهدف الحلفاء

فراس علاوي4 مارس 2020آخر تحديث :
الدبلوماسية الخشنة.. سلاح يستهدف الحلفاء

لعل شتاء العام 2020 كان الأكثر سخونة في سوريا منذ عقد من الزمن، تصعيد كبير شهدته قرى ومدن الشمال السوري تراوح بين التصعيد العسكري والدبلوماسية بنوعيها الناعمة والخشنة.

فبعد انسداد الأفق أمام تطبيق إتفاق سوتشي بين الرئيسين التركي أردوغان والروسي بوتين، وفشل الوصول لتحقيق مخرجات آستانا بسبب عدم وفاء كلا الطرفين بتعهداته والتزاماته التي التزم بها في الاتفاق ، فلا روسيا كبحت جماح مليشيا الأسد في الشمال السوري، ولا أوفت بالتزاماتها بما يخص تل رفعت ومحيطها، كذلك تركيا من جهتها لم تعمل على إنهاء وضع هيئة تحرير الشام في إدلب.

هذا التراخي في تطبيق كلا الطرفين لالتزاماته ينم على عدم ثقة بينهما وبذات الوقت محاولة كل طرف استخدام الأوراق الموجودة بين يديه حتى اللحظات الاخيرة.

انسداد الأفق هذا فتح الباب أمام دبلوماسية متسارعة بين الطرفين في رغبة لكل منهما تفادي حدوث أي صدام أو تصعيد على الأرض، وبذات الوقت وفي ظل عدم تنازل أي طرف عن شروطه بات الطريق أمام الدبلوماسية بشكلها الناعم مسدوداً .

هذا التراجع في التوافقات فتح الباب أمام عملية عسكرية واسعة شنها نظام الأسد بدعم روسي جوي ومجموعة من المليشيات المساندة له، نتج عنها السيطرة على عشرات المدن والقرى في ريف إدلب وجبل شحشبو، أبرز تلك المدن سراقب وكفرنبل ومعرة النعمان وبلدة النيرب وهي مدن تتمتع بأهمية استراتيجية ورمزية للشعب السوري، أمام هذا التصعيد الروسي والذي كان الغرض منه فرض وقائع جديدة على الأرض كان لابد من تغير في الموقف التركي.

مما ترتب عليه استخدام أساليب أخرى أكثر ضغطاً في تحول واضح للدبلوماسية لشكلها الخشن، حيث أطلق أردوغان تحذيره لنظام الأسد بضرورة الانسحاب من محيط النقاط التركية التي تمت محاصرتها من قبل مليشيا الأسد، والعودة إلى حدود اتفاق سوتشي، حيث ظهر لأول مرة بأن هناك خرائط تم رسمها في سوتشي والموافقة عليها في أستانا، نظام الأسد وبغض بصر روسي ودعم إيراني آثر التصعيد وذلك باستهداف موقع للجيش التركي ذهب ضحيته 33 جندياً تركياً، مما وضع الحكومة التركية أمام مسؤولياتها تجاه شعبها وجيشها وأصبحت في وضع يستوجب الرد لامتصاص النقمة الداخلية ولعدم إفساح المجال للمعارضة التركية باستغلال هذا الوضع، الرد التركي لم يتأخر وكان باستعادة بلدة النيرب واستهداف مواقع لنظام الأسد غير أن هذا الرد شهد تصعيداً كبيراً بانتهاء المهلة التي أعطاها الرئيس اردوغان حيث ألحقت الطائرات المسيرة من نوع بيرقدار خسائر فادحة في صفوف مليشيا نظام الأسد، كذلك ألحقت المدفعية التركية خسائر في مواقع نظام الأسد وداعميه من حزب الله والمليشيات الأخرى وصلت لمئات القتلى وعشرات الدبابات والآليات، لكن هذا الزخم لم يترافق بذات القوة على الأرض إذ لم تستعد فصائل الجيش الوطني المدعومة من تركيا جميع المناطق التي خسرتها مؤخراً، فيما تراجع زخم العملية التركية بعد يومها الثالث وسط تصريحات متضاربة بين القيادتين الروسية والتركية.

سراقب هي النقطة الأكثر سخونة والتي فرضها موقعها الاستراتيجي على عقدتي الطرق M4 وM5 لذلك فإن المعارك فيها شهدت كر وفر ولم تستقر السيطرة عليها حتى اللحظة.

سياسياً؛ تراوحت المواقف الدولية بين داعمة على استحياء وبشكل غير مباشر كما فعل حلف الناتو والتي تعتبر تركيا أحد أبرز أعضائه، أو صمت حذر كما كان موقف الدول الأوربية والتي لم تستجب لنداءات وتحذيرات الحكومة التركية حيث قررت نهاية الأمر استخدام ورقة اللاجئين كورقة ضغط على حكوماتها، الأمر الذي استدعى اهتمام أوربي وموقف داعم لحكومة اليونان حتى اللحظة.

الموقف الأمريكي كان متردداً ففي حين صرح وزيرا الخارجية والدفاع ألا دعم مباشر لتركيا في إدلب وأن الدعم هو سياسي فقط، جاءت تصريحات جيمس جيفري مناقضة لما قالاه حين أكد أن أمريكا مستعدة لدعم تركيا بالذخيرة، جيمس جيفري ومندوبة أمريكا في الأمم المتحدة كرافت زارا الداخل السوري وأعربا عن دعمها للشعب السوري في إدلب لكنهما حرصا أن تكون الزيارة ذات مضمون إنساني وطابع معنوي أكثر منه دعم سياسي وعسكري.

وبالتالي وفي ظل هذا التخبط في المواقف كان لابد من حسم الوضع في الشمال دون الوصول لمرحلة الصدام المباشر بين تركيا وروسيا لذلك كان لابد من قمة تجمع الرئيسين أردوغان وبوتن للتوصل لحل لمعضلة الشمال السوري.

أردوغان يذهب إلى موسكو وهو يحمل عدة شروط لا يمكن له التنازل عنها حتى يحافظ على ماحققه من عملية درع الربيع العسكرية التركية، هذه المطالب تتمثل بانسحاب مليشيا نظام الأسد من محيط النقاط التركية، والعودة لاتفاقيات وخرائط سوتشي، وإيجاد منطقة آمنة بعمق 30 كم على الحدود التركية السورية، وإيجاد اتفاق جديد لقواعد الاشتباك والطيران بين الطرفين. وهو ما يعد تطويراً لاتفاق أضنة الذي وقعه أردوغان مع حافظ الأسد عام 1998 إثر الأزمة الشهيرة بين البلدين.

من جهتهم الروس سيدخلون المفاوضات وهم يحملون وقائع جديدة على الأرض سيحاولون فرضها، من خلال رسم خرائط جديدة وتفاهمات على غرار سوتشي وتوزيع جديد للنقاط التركية في مناطق جديدة وتفعيل الطرق الدولية.

جدية كلا الطرفين وقدرته على فرض إيقاعه واللعب بالأوراق التي بين يديه، هي ما ستفرض هذه التوافقات يوم الخامس من مارس آذار وبالتالي قد تحمل الساعات القادمة بعض المفاجآت ليحملها رئيسا البلدين على طاولة المفاوضات.

فالروس لن يسمحوا بتصعيد أكبر والأتراك لن يتخلوا عن مكاسب العملية الأخيرة، وبالتالي يبقى الكلام للربع ساعة الأخيرة التي قد تنتج توافقات بعيدة عن التوقعات والتحليلات بما يخدم مصلحة روسيا وتركيا، والتي لاتقف حدودها في سوريا، وبذات الوقت ليست بعيدة عن عين المراقب الاميركي والذي حمل جيفري رسائل غير مباشرة لتركيا تتعلق بطلب تركيا لمنظومة باتريوت وموقف أمريكا منها، فهل تتحول الدبلوماسية الخشنة لأسلوب تعامل أم أن التوافق سيفرض إيقاعه؟ هذا ما ستجيب عنه قمة أردوغان بوتين الخميس القادم.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل