لم تعد الحرب السورية خاصة بالسوريين فقط بل تخطت الحدود لتصبح أزمة دولية تتشابك فيها جميع خيوط السياسة العالمية والإسلامية على وجه الخصوص وترتسم مع بوادر الحل فيها خرائط العالم الجديد وتتوزع الموارد الأرضية وفق ما ستؤول إلية نتائج هذه الحرب.
فلقد حركت الحرب السورية المياه الراكدة منذ العام 1914م وأعادت الروح الحضارية إلى جسد الأمة الإسلامية الذي وعلى مدار عقود لم يستطع استعادة عنصر المبادرة بالرغم من آلاف الطعنات التي تلقاها طيلة القرن المنصرم.
سوريا هي عقدة طرق الحضارة القديمة وهي الآن عقدة المصالح الاستراتيجية في الحضارة الآنية. ونشوب حرب في سوريا مطلع 2011 لم يكن وليد الصدفة بل جاء نتيجة حتمية للتجاذبات بين الدول الإقليمية والدولية وحالة الصراع الراهن توضح وتكشف ما كان علية وضع الشرق الأوسط مطلع الألفية الثالثة فاحتلال العراق إلى الحرب على غزة وتموز لبنان واغتيال رؤوس الحرب في المنطقة من صدام حسين إلى رفيق الحريري وتغيير رؤساء المنطقة وكياناتها السياسية وتبعياتها الاقتصادية أفضى إلى حتمية نشوب الحرب في سوريا كنوع من ردة فعل طبيعية حضارية على ما جرى في المنطقة.
رافق هذا التغير تصارع أقطاب تقليدية تحاول فرض رؤيتها وضمان مصالحها الاستراتيجية:
أول هذه الأقطاب هو القطب السعودي الأمريكي الذي يحاول احتكار ثروة العالم والحفاظ على قدرته وانفراده في رسم السياسة الدولية وسوريا وموقعها ذوا أهمية بالغة لهذا القطب.
وثاني الأقطاب المتصارعة في سوريا هو الراديكالية الإيرانية والاشتراكية الشرقية والتي تحاول قضم المنطقة والتمدد لشمال أفريقيا وكسر حالة الجمود والتفرد الأمريكي الذي ساد العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات.
وبين دخان الحرب في سوريا ولد قطب جديد استغل حالة الاصطدام بين الأقطاب الأخرى ليبني ركائزه ويفرض معادلة جديدة لها وزنها على ساحة الشرق الأوسط فالقطب المرؤوس من تركيا الإخوانية والذي يشمل بلدان محورية مثل قطر وإندونيسيا وماليزيا وبلدان أخرى استطاع وبزمن قصير تكوين لوبي جديد لا يستهان به إن كان على المستوى العسكري أو السياسي أو الاقتصادي وأجبر الأقطاب الأخرى على التنازل والمساومة إن كان في منطقة الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا أو الشرق الأسيوي.
وبالرجوع إلى التاريخ نرى نفس القطب قد ولد إبان الحروب الصليبية التي غزت بلاد الشام وكان لهذا القطب الدور الأكبر في صد الحملة البربرية آن ذاك وأستطاع هذا القطب التحكم بالعالم القديم لمدة ألف عام من دون أي منازع.
وبإسقاط الماضي على الحاضر نجد أن فرص ولادة نفس ذاك القطب كبيرة جدا وبشائره قد ظهرت على الملأ.
إن ما نشهده اليوم على الساحة الإقليمية لا بد من فهمة وتحليله تحليلاً عميقاً لنستطيع الاستفادة من الواقع ورسم مستقبل أبنائنا فبعيدا عن حالات اليأس المنتشرة في الوسط السوري هناك عدم إدراك للمكاسب الكبرى التي استطاع السوريون تحقيقها فهم لم يتمكنوا من تحرير بلادهم وهذا صحيح ولكن هناك مكسب أكبر وإنجاز عظيم بأنهم كانوا الشرارة التي أشعلت الأمل لرسم مستقبل العالم فدماء مليوني شهيد صبت لتروي عروق أمة أرهقتها المحن والخطوب.
القطب التركي الجديد صناعة سورية بامتياز والأيام القادمة ستكون حبلى بالوقائع التي تدعم هذا المقترح ولكن.
يجب على المعارضة السورية إعادة النظر بعلاقتها الدولية وتحديد أهدفها المرحلية والاستراتيجية التي تتناسب مع المكتسب الحاصل ولا سبيل إلا لدعم القطب التركي وعندها ستتحرر ليس فقط دمشق ولكن ستتحرر عواصم دول ما كنا سنحلم يوما بتحريرها وسنعيد مجد أمة بأكملها.
عذراً التعليقات مغلقة