خيمة من قماش وصقيع قاتل

مجد خلف15 فبراير 2020آخر تحديث :
مجد خلف

أقمشة الخيام لم تحمِ النازحين والمهجرين قسراً من برد الشتاء القارس الشتاء الأصعب على النازحين والمهجرين قسراً من منازلهم، ما زالت المعاناة مستمرة وقوافل المهجرين تملأ الطرقات ومناطق النزوح تتسع لتشمل مناطق ومدن جديدة وليست بالحسبان في ريفي إدلب وحلب مع هطول الأمطار والثلوج وتشكل موجات الصقيع التي خرقت أسقف منازل المهجرين القماشية ولطخت شوارعهم الطينية ليكون البرد عدواً جديداً لهم يضاف إلى قائمة الأعداء التي اجتمعت ضدهم.

في كل سنة نحن في موعد لنرى معاناة أهلنا في المخيمات ولكن هذا العام وهذا الشتاء هو الأصعب نظراً لازدياد أعداد النازحين والمهجرين قسرا بعد العمليات العسكرية وسياسة التهجير التي اتبعتها روسيا وقوات الأسد وآخرها الحملة الأخيرة التي تشنها روسيا والأسد على ريف إدلب وريف حلب بعد عمليات قصف ممنهجة هي الأعنف، لقد تهجرت مدن وقرى بأكملها إلى العراء، سكن أهلها في مخيمات عشوائية، ومدارس، وبيوت ليست مجهزة، ومساجد، حتى الطرقات التي يسلكونها في تهجيرهم لم تكن آمنة، لا شيء آمن هنا، الحدود مغلقة والمساحة الجغرافية أصبحت صغيرة، لم يعد هنالك ذكريات وأصدقاء، لقد دمر البرابرة كل شيء حتى الكتابات التي تم تدوينها على حيطان المدارس والشوارع لعلها تلفت الانتباه، لقد دمروها.

المخيمات اليوم أصبحت مدناً وبلدات كاملة، في ريفي إدلب وحلب ازدادت أعداد النازحين والمهجرين قسراً وازدادت معها أعداد المخيمات، لا بل لم يبق قطعة أرض إلا ورفعت فيها الأقمشة والشوادر، حتى الكثير من السيارات أصبحت منازل لأصحابها.

تعاني مخيمات النازحين والمخيمات العشوائية ومراكز الإيواء المؤقتة من أوضاع إنسانية صعبة، ومع تدني درجات الحرارة تزداد المعاناة مع النقص الشديد في وسائل التدفئة والوقاية من البرد والأمطار التي تهدد وجود الآلاف من المهجرين قسرًا والنازحين الى المخيمات.

منذ شهر ديسمبر 2019، أكثر من مليون شخص تركوا منازلهم وهاجروا قسراً الى المخيمات ومراكز الإيواء والى العراء والمجهول، حملوا أمتعتهم وبدأت موجات النازحين والقوافل حتى سيراً على الأقدام، لا يمكن وصف الصورة وهي أشبه بيوم الحشر، قوافل النازحين والهاربين بعد الحملة العسكرية التي يشنها الأسد ومليشياته مدعوماً بغطاء جوي روسي أجبرت المدنيين على الهروب من مدنهم وبلداتهم بعد القصف العنيف الذي استهدف المنازل، والمشافي، والافران وعمال الإغاثة، والمستجيبون الأوائل.

المدنيون عانوا الكثير خلال تسع سنوات من القصف والدمار لمنازلهم ولن يختاروا أن يبقوا في مدنهم بعد أن سيطرت عليها قوات الأسد وحلفاءه، لقد فضلوا البقاء في الخيام والمجهول عن هؤلاء الغزاة. منذ أسبوع تقريبا بدأت موجات الحرارة بالتدني تحت الصفر وبدأ الصقيع يلامس أقمشة الخيام وبدأت الأمطار باقتلاع وإتلاف خيام النازحين، حجم المعاناة والنقص الشديد في مستلزمات الحياة والخوف الكبير من المجهول، تحليل الواقع والتنبؤ والتفكير، كل هذا في نفس الوقت، كارثة حقيقية قد حلت عليهم مع دخول الشتاء وأجوائه الباردة والمصير المجهول، لك أن تتخيل حياتهم الصعبة عندما تفكر أن تزور المخيمات ومراكز الإيواء، لا بدّ من أن تأخذ نفساً عميقاً، قد يبدو الأمر صعباً للغاية مما تراه أمامك من معاناة، تسمع قصصا وتفاصيل لو أردت صياغتها لعجزت مفردات اللغة عن إظهار حجم الكارثة هناك، إذ لا تتوفّر أدنى ظروف الحياة الكريمة.

لا شكّ في أنّ الداخل سوف يغرق في بحيرة الطين التي تتشكّل عقب كلّ هطول للأمطار، في حين تختبئ كل واحدة من العائلات في خيمتها غير الصالحة للسكن، متجنّبة الخروج منها، ترى وجوه الأطفال والكبار، قصص العذاب المريرة مع النزوح والغربة بعيداً عن ديارهم، في مكان لا يجدون فيه أقل مقومات الحياة في العيش، عاشوا معاناة الصيف من الحر الشديد واليوم يعيشون برد الشتاء وقسوته، في كل فصل شتاء مِن كل عام يعاني المهجرون والنازحون في المخيمات على طول الحدود مِن الأحوال الجوية السيئة أمطار وثلوج وسيول وفيضانات، لكن هذا الشتاء كما أخبرتكم في السطور السابقة هو الأشد والأعنف.

مناشدات مستمرة للمنظمات الإنسانية والفرق التطوعية لـتخفيف المعاناة وتوفير الأدوية ووسائل التدفئة، وتأمين المهجرين في أماكن إيواء مؤقتة، يسعى هؤلاء لتخفيف المعاناة ولكن الكارثة أكبر بكثير مما لديهم من إمكانيات، يتطلب الأمر إمكانيات دول بحد ذاتها، هناك الكثير من القصص التي لا يمكن أن تستوعبها وتجد كلاماً لوصفها، آلاف القصص يرويها النازحين عن معاناتهم اليومية التي لا يمكن أن توصف حياتهم ببضع كلمات، حياتهم لاتوصف من المعاناة، معاناة جديدة تضاف إلى النازحين السوريين في المخيمات، ويضاف البرد عدواً جديد الى الأعداء الذين تحالفوا ضد المدنيين الذين لا يجدون ما يتقون به برد الشتاء سوى خيام مهترئة أو منازل في حال مزرية.

وفي ظل اشتداد وطأة الشتاء، تتفاقم معاناة الأطفال الذين يكافحون للبقاء على قيد الحياة في هذا البرد القارس، لا سيما الأطفال حديثو الولادة، منذ أيام قليلة اشتد البرد، أكثر من تسع حالات وفاة في المخيمات نتيجة البرد والاختناقات، في ظل استمرار موجات النزوح للمدنيين من أرياف إدلب وحلب، مشهد ينذر بأن القادم ليس أفضل من الذي مضى، مع وجود أكثر من أربعة ملايين بينهم مليون طفل في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء وفق أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بات الشتاء أكثر ما يثقل كاهل النازحين والمهجرين في المخيمات المنتشرة على طول الحدود ، والتي تكبر يوماً بعد يوم بفعل المجازر والقصف الممنهج الذي يصّر نظام الأسد ومن ورائه روسيا على تطبيق سياسة التهجير وإفراغ المدن والقرى وإعلان النصر على ركام المدن والقرى بعد أن أجبروا سكانها على النزوح قسراً ودمروها بالكامل.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل