كيف تحولت إدلب المهمشة تاريخيا إلى سوريا المصغرة؟

هدى أبو نبوت15 فبراير 2020آخر تحديث :
كيف تحولت إدلب المهمشة تاريخيا إلى سوريا المصغرة؟

إدلب المحافظة السورية المهمشة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى، قبل تسع سنوات مضت كانت مجهولة بالنسبة لأغلب سكان سوريا حتى على الخريطة باستثناء جارتها حلب، فأغلب سكان إدلب يدرسون في جامعة حلب ويعملون لاحقا فيها حتى أنهم يعيشون في أحياء كاملة يشكلون فيها أغلبية كحي صلاح الدين، ولكنها كانت تعاني من التهميش الخدمي والحكومي على مدى عقود منذ حكم الأسد الأب واستمر عندما انتقل الحكم للإبن، وعلى الرغم من أن أغلب سكان إدلب يحملون شهادات جامعية عليا قياسا بمحافظات أخرى، إلا أنها بقيت منسية ومهملة ومهمشة على كل الأصعدة وربما كان هذا أحد الأسباب المهمة التي شجعت أغلب سكان إدلب على الإنخراط في الثورة منذ البداية.

وعلى مدار سنوات الثورة تحولت بعض بلداتها كسراقب وكفرنبل ومعرة النعمان لأيقونة حقيقية في الكفاح السلمي، وما زالت لافتات كفرنبل حتى اللحظة الوجه المشرق للثورة السلمية ومطالبها المحقة والعادلة التي كانت تزين شعاراتها البدايات واستمرت حتى بعد أن اكتسح اللون الأسود بلدات إدلب بتواجد جبهة النصرة فيها، وعلى الرغم من محاولة النصرة صبغ المحافظة باللون الأسود والأفكار الرديكالية استمرت معرة النعمان وكفرنبل تقاومان حتى النهاية في مسيرات شعبية شجاعة حيث فشلت مدن وبلدات أخرى مواجهة النصرة في أماكن أخرى .

عاماً بعد عام تحولت إدلب المنسية إلى سوريا المصغرة حيث كانت ملاذا آمنا لكل السوريين المعارضين للنظام، حيث كانت المكان الجغرافي الوحيد المتاح لجميع المدن السورية التي خضعت لتسوية مع النظام بداية بحمص ثم حلب وريف دمشق نهاية بدرعا، وتقلصت مساحة سوريا الجغرافيا عند معارضي النظام واختصروها في مكان واحد فقط “إدلب”.

إدلب التي تجمع فيها تقريبا 4 ملايين سوري بين المدينة وبلداتها وسكان مخيماتها المتناثرة على الحدود السورية التركية، ظن هذا التجمع السوري المصغر أنهم سيعيشون نوع من الأمن في مساحة تتيح لهم بعض من حرية البقاء بعدما خسروا حياة سابقة وآمالا عريضة بمستقبل أفضل تجددت أحلامهم ببداية جديدة في بقعة جغرافية سورية على أمل الانتظار، ولكن حتى هذا الأمل تسرب تحت وقع المعارك الاخيرة التي تركتهم هائمين على وجوههم هربا من القصف ليناموا بالعراء وتحت أشجار الزيتون ويتحول خيار موتهم بين قصف طائرات الأسد وبوتين أو بردا في خيام لا تقيهم برد الشتاء.

حاولت روسيا أن تصنف إدلب من البداية على أنها مركز الإرهاب بسبب سيطرة جبهة النصرة على أجزاء واسعة منها، ونجح الإعلام في صبغ هذه المدينة بالسواد تدريجيا وللأسف ساهم جزء من إعلام المعارضة في ترسيخ هذه الصورة لأسباب غير مبررة وبشكل متعمد، وتبرر روسيا عملياتها العسكرية الحالية في “محاربة الإرهاب” لمحاولة إسكات أي صوت منتقد لها ولوحشيتها في استهداف المدنيين.

وهكذا تحولت إدلب إلى سوريا المصغرة، بعيون ثوار البدايات ومجرميها على حد سواء، منذ البداية تم وصف الثائريين في عموم سوريا بأنهم إرهابيون ومخربون ومن ثم تم إجبارهم جميعا على التجمع في مكان واحد ليتم تصفية جميع الإرهابيين الخارجين عن القانون ، قانون الإستبداد والقمع وخنق الحريات ومصادرة كل الحقوق بما فيها حق الحياة، هل كان هناك خيار آخر لهؤلاء الحالمين؟ نعم كان هناك خيار البقاء في مدنهم وبلداتهم يعيشون تحت بطش النظام أو الحلم بمكان جديد يجمعهم جميعا في قلب واحد فاختاروا الأمل في إدلب “سوريا الصغيرة” ولكن حتى الحلم ممنوع في سوريا الأسد التي أطلقت منذ البداية شعار “الأسد أو نحرق البلد”.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل