ياسر محمد- حرية برس:
خسرت تركيا رصيدها الشعبي السوري الذي أحرزته عندما وقعت مع روسيا اتفاق “هدنة” إدلب في أيلول عام 2018، وقتها استقبل سكان إدلب الأرتال العسكرية التركية بالورد والزغاريد، إلا أن الصورة تبدلت حين انسحبت تركيا من المعادلة أمام المد الروسي الأسدي الذي يكتسح المنطقة بوحشية منقطعة النظير، لتنسحب تركيا من دور “الضامن” الذي لعبته عبر سلسلة مؤتمرات “أستانا”، وتكتفي بحماية نقاط مراقبتها المنتشرة بالاتفاق مع روسيا في إدلب وريف حلب (12 نقطة عسكرية)، وبالدور الإغاثي الذي لن يقنع أحدا من منكوبي إدلب التي تمثل آخر قلاع المعارضة.
وفي التفاصيل، وتزامناً مع سيطرة نظام الأسد وحليفه الروسي على 23 قرية وبلدة بريف إدلب الجنوبي الشرقي، ودخوله مدينة معرة النعمان (ثاني أكبر مدن إدلب)، وإصراره على الحل العسكري للسيطرة على معظم المحافظة وكذلك ريف حلب الغربي، اكتفت تركيا بإرسال رتل عسكري لإنشاء نقطة عسكرية جديدة قرب سراقب، وتقديم مساعدات للمهجرين.
واليوم الثلاثاء، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السنغالي، ماكي سال، في داكار: “هناك موجة نزوح للسكان من إدلب السورية إلى حدودنا، واتخذنا التدابير اللازمة للتعامل مع هذا الوضع”.
وأوضح أردوغان أن سلطات بلاده تعمل حالياً على إنشاء أماكن لإيواء اللاجئين من إدلب وحمايتهم من البرد والأمطار. من دون أن يتطرق إلى أي محادثات أو محاولات لوقف المجزرة التي تُرتكب بحق 3 ملايين مدني يقيمون في إدلب!.
ميدانياً، ثبّتت القوات التركية، اليوم الثلاثاء، نقطة جديدة لقواتها في محيط مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي.
وقال ناشطون إن رتلاً تركياً ضخماً يضم نحو 100 آلية عسكرية دخل مساء أمس الإثنين عبر معبر “كفرلوسين” إلى ريف إدلب وتوجه نحو المناطق الجنوبية، وتجمع قرب منطقة صوامع الحبوب جنوب مدينة سراقب.
وتزامناً مع إنشاء النقطة الجديدة، قالت وزارة الدفاع التركية في بيان رسمي عبر موقعها على الإنترنت اليوم، إنه “سيتم الرد على أي محاولة لتعريض أمن نقاط المراقبة العاملة في نطاق اتفاقيات أستانا وسوتشي للخطر، دون أي تردد وبشكل شديد في إطار الدفاع المشروع”.
وأضافت الوزارة في البيان الذي نقلته صحيفة “عنب بلدي”، أن “النظام مستمر بقتل المدنيين بهجمات برية وجوية على الرغم من إعلان التهدئة في 12 من كانون الثاني الحالي، بالإضافة إلى تهجير مئات الآلاف من منازلهم في ظروف الشتاء الصعبة متسبباً بمأساة إنسانية كبيرة في إدلب”.
ورأى محللون عسكريون وسياسيون أن نقاط المراقبة التركية لم تكن أساساً موجودة لحماية المدنيين، وإنما لتنفيذ اتفاقات سوتشي وأستانا، حيث سيكون دورها حماية أمن الأوتوستراد الدولي “حلب- دمشق” جنباً إلى جنب مع نقاط مراقبة روسية.
وعبَّر ناشطون سوريون وعرب عن خيبة أملهم إزاء تراجع الدور التركي وترك إدلب لمصيرها بعدما عقد سكانها كل الأمل على “الحليف” التركي ورأوا فيه المنقذ الأخير!.
فكتب الناشط والإعلامي أسامة أبو زيد: “أتقدم بالاعتذار عن كل نقد وجهته للضامن التركي الذي إذا قال فعل، لم أكن أدرك أن وظيفة نقاط المراقبة التركية محصورة بالرد على الاستهداف للنقاط التركية فقط أما بالنسبة لحرق إدلب وريفها وتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها وتهجير أكثر من مليوني سوري فالوظيفة مختصرة بـ (شاهد ما شفش حاجة)”.
أما الأكاديمي والمحلل السياسي محمد المختار الشنقيطي فرأى أنه “إذا خسرت الثورة السورية آخر معاقلها في إدلب فستخسر تركيا الشعبَ السوري، ومِن ورائه غالبيةَ الشعوب العربية. ويا لها من خسارة فادحة للطرفين العربي والتركي، ولمستقبل شعوب الإقليم جميعها!”.
في الأثناء، تتواصل عمليات النزوح والتهجير القسري من إدلب، إذ تواصل منظمات إنسانية إخلاء مدينة سراقب من كامل سكانها، كما تم تسجيل نزوح نحو 10 آلاف عائلة من أرياف سراقب وأريحا خلال الـ48 ساعة الماضية.
Sorry Comments are closed