عن السويداء و”مجروية القيامة” والمدن التي ضيعناها

محمد صبرا17 يناير 2020آخر تحديث :
عن السويداء و”مجروية القيامة” والمدن التي ضيعناها

يثور نقاش على صفحات التواصل الاجتماعي حول ما يحدث في السويداء من احتجاجات معيشية، ذهب البعض إلى حد الحديث الغاضب بأنها مجرد احتجاجات معيشية وبأن دم السوريين الذي سال خلال الأعوام الماضية كان أولى بدفع السويداء للتحرك ضد النظام المجرم، ودافع البعض عن هذه التظاهرات بحماسة، شخصيا سأحاول أن أتفهم مواقف كل شخص أيا كان دافعه، لكني أجد نفسي ملزما بذكر بعض الأمور التي قد تغضب البعض وقد تسعد آخرين،في مطلق الأحوال أنا منحاز لكل سوري مظلوم أيا كانت مظلوميته ورغم ذلك لابد أن نكون صادقين في مواقفنا وهي قضية أسميها الاستقامة العقلية وهي الوجه الآخر للاستقامة الأخلاقية:

-مدينة السويداء مثل كل المدن السورية، فيها الأشرار والأخيار وهي مجتمع متعدد هناك من أبنائها من استفاد من نظام البعث المجرم وهناك من تضرر وعارض هذا النظام ودفع ثمنا لمعارضته، وهذا ينطبق على كل مدينة وقرية سورية فالسويداء ليست استثناء وأبناؤها مثل أبناء حلب ودمشق وحمص وحماة ودرعا، منهم الموالي ومنهم المعارض للنظام قبل اندلاع الثورة السورية العظيمة وبقي الأمر على حاله مثل بقية المدن السورية.

-شكل اندلاع الثورة السورية هزة عنيفة لمجتمع السويداء مثل بقية المدن السورية، وخرجت تظاهرات صغيرة العدد في السويداء وفي جرمانا في شهري آذار ونيسان من عام 2011 وهي تظاهرات لا تختلف بشعاراتها عن شعارات التظاهرات في حمص ودرعا وإدلب في تلك الفترة.

-انقسم المجتمع في السويداء حول تأييد الثورة أو الوقوف ضدها أو الوقوف على الحياد، وهذا الانقسام حدث في كل المدن السورية أيضا، وخرج رجال دين وقفوا مع المجرم بشار ورجال دين أيدوا الثورة ورجال دين وقفوا على الحياد، وبدأ ضخ ديني كبير من قبل مشيخة العقل بأن ما يحدث في سورية هو ضمن سياق مجروية القيامة والتي تتحدث عن معركة بين أهل الظاهر “السنة” وأهل الباطن” العلويين” هذا التنظير الديني مكافئ لكلام بعض رجال الدين السنة حول الفتنة وضرورة تجنبها، إذاً لم تكن مشيخة العقل استثناء عن السياق العام للمؤسسة الدينية الرسمية وموقفها مطابق تماما لموقف البوطي والمفتي حسون والبطرك لحام وسواهم، وهم يختلفون في الدوافع المذهبية لهذه المواقف لكنها في جوهرها متطابقة، وأستغرب من البعض الذي يبحث عن تبريرات لمواقف البوطي مثلا بينما يعيب على رجال الدين من باقي الطوائف مواقفهم، مع أن الاستقامة العقلية تفترض أن تدين مواقف كل رجال الدين المتخاذلة من الثورة ومن كل الطوائف.

– وكما هو الحال في بقية المدن السورية وقف بعض رجال الدين من السويداء ضد نظام بشار ورفضوا أن يشارك أبناء السويداء في الخدمة الالزامية ضمن ما عرف باسم مشايخ الكرامة، صحيح أن حركة مشايخ الكرامة رفعت راية طائفية “بيرق الحدود الخمسة”، وقاتلت النظام تحت هذه الراية، لكن أيضا لم تكن استثناء في الحالة السورية ولا أجد فارقا بين راية فيلق الشام وراية أحرار الشام وغيرهما من الفصائل الاسلامية وراية مشايخ الكرامة فجميع هذه الفصائل رفعت رايات طائفية وشعارات مذهبية وقاتلت النظام ليس دفاعا عن الحرية والديمقراطية بل من منطلق الاختلاف الطائفي.

-لا يغيب عن بالنا أن تغوّل الشعارات المذهبية على خطاب جزء كبير ممن سموا أنفسهم معارضين كان سببا مهما في ابتعاد مدن أساسية وخروجها من خط المواجهة مع النظام لا سيما بعد حمل الفصائل الاسلامية للسلاح وظهور التنظيمات المتطرفة مثل النصرة وداعش، وهذا ليس تبرئة لأحد من عدم وقوفه مع الثورة لكنه محاولة لوضع الأمور في نصابها الطبيعي، فخذلان الثورة من قبل مدن مثل السويدا والسلمية ومصياف واللاذقية وطرطوس يعود لعدة أسباب منها وحشية النظام وعمله الدؤوب مع المستفيدين منه ومساهمة جزء كبير من رجال الدين بذلك إضافة لخطاب طائفي لا وطني تبناه قطاع واسع من المعارضة ممن ألصقوا أنفسهم بالثورة وادعوا زورا وبهتانا أنهم ينطقون باسمها.

– السويداء مثلها مثل حلب ودمشق ليست قلعة للثورة وأيضا ليست قلعة للنظام، واختصار أهل السويداء بصورة المجرم عصام زهر الدين تشبه اختصار أهل إدلب بصورة المجرم الطيار اللواء عبد الوهاب عثمان الذي كان يقصف قريته كفر نبل.

– طبعا كنت أعيب على أهل السويداء عدم خروجهم ضد النظام ودماء أبناء درعا المجاورة لهم تسيل .. لكني أيضا أعيب على أبناء دمشق عدم خروجهم ضد النظام ودماء أبناء الغوطة تسيل أمامهم وأعيب أيضا على أبناء حلب الغربية عدم خروجهم ودماء أبناء حلب الشرقية تسيل أمامهم، إذا عدم خروج السويداء في تظاهرات ضد القتل والإجرام ليس استثناء عن باقي مدن سورية، التي ما زال جزء منها حتى اللحظة يؤيد جرائم النظام ويقف معه.

– ختاما لا يمكن محاكمة شخص خرج مطالبا برغيف خبز بحجة أنه لم يتظاهر ضد النظام سابقا، لأن مجرد هذا القول يعني أننا لم نخرج في ثورة من أجل الإنسان بل من أجل الإطاحة بسلطة والمجيء بسلطة أخرى، وشخصيا أنا مع أي إنسان يتظاهر للمطالبة بأي من حقوقه صغيرا كان هذا الحق أم كبيرا بحجم الحرية.

– الحرية لكل السوريين والخبز أيضا ولابد سيولد في ليل سورية نهار.

-تحية لكل من يخرج مطالبا بحقه في وجه هذا النظام المجرم.

-ثورتنا ثورة كرامة وهتاف الشعب السوري مو جوعان اختصر كثير من مضامين الثورة، لكن النظام المجرم الذي جوّع كل سورية ودمر نصفها، وبالتالي مطالبة الناس برغيف خبزهم هو مطلب حق.

-دماء السوريين متكافئة وخبث وحقارة وإجرام النظام في التعامل الانتقائي مع المدن السورية، لا يجب أن يعمي أبصارنا عن حقيقة أن كل السوريين سواء، فالنظام عندما كان يتصدى لتظاهرات درعا وحمص ودير الزور وريف دمشق بالقصف المدفعي وبالبراميل المتفجرة لاحقا، بينما يتعامل مع تظاهرات السويداء ببعض المرونة ويترك مهمة قمع المحتجين لشبيحة السويداء ،إنما يهدف لخلق هذا الشرخ الطائفي ولزرع الكراهية بين أبناء المدن السورية ، ومقاومتنا للنظام تبدأ بحفاظنا على وعينا ورفض الانجرار لمنطق وسياسات النظام، فجرائمه تشمل كل السوريين.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل