العلاقات الدولية بين دول العالم لا يمكن أن تبقى على مسار واحد، كما لا يمكن أن نصفها بالجمود التام، وحتى يومنا هذا ما زالت السياسة تنقاد بكثير من الأمور الخفية والقليل من الأمور الظاهرية.
والمتابع لكمية التناقضات التي تحصل بين التصريحات المعلنة من قبل بعض الدول المصنفة بقائمة العداء مع دول أخرى، يلاحظ أن اللهجة الشديدة في مخاطبة بعضها، والوصول أحيانا إلى درجة التهديد الصريح باستخدام القوة العسكرية، وبين الأفعال التي تخرج من هذه الدول لا يمكن التكهن بحصول صدام عسكري مهما كان صغيرا.
أما ما يقع من تصفية حسابات فردية تطال شخصيات هامة أو مواقع محددة ذات قيمة مادية ومعنوية كبيرة، لا يمكن أن يرفع درجة العداء إلى المستوى الأحمر، أو يحرك جيوش جرارة.
ويبدو أن أقصى درجات الحرب العالمية الموعودة قد تقتصر على سحب التمثيل الدبلوماسي بين البلدين المتنازعين أو إطلاق حملة كبيرة على وسائل الإعلام تزج بكامل قوتها لإظهار كل الوجوه الشيطانية للدولة المعادية، أو على أكثر تقدير قد تستخدم تلك الدول إحدى أذرعها الغير منضوية تحت قانون معين للحصول على مكسب معين لا يوازي قيمة ما دفع لأجله.
ويبدو أن الخلاف التاريخي بين أمريكا وإيران منذ بداية الثمانينات وحتى الآن لن يجد له سبيلا للحل وخاصة أن كلا الطرفين لا يرغب بذلك مع وجود فوائد عدة لهذا الخلاف وخاصة لدولة مثل إيران تحاول بشتى الوسائل والطرق الحصول على مقعد بين الدول ذات التأثير العالمي، وهذا ما دفعها لاستخدام الدين تارة كدولة حاملة لراية الإسلام مع خلافها العقائدي مع الشريحة الكبرى من المسلمين والتذرع تارة أخرى بدورها كحارس للمعالم الدينية للتأثير على الرأي العام.
وبعد كل خطاب أو خطوة مفاجئة لكلا البلدين يترقب العالم ردا حاسما ينهي هذه المهزلة المستمرة منذ عقود لكن يبدو أن كلا من أمريكا وإيران تحاول تجنب الرد الانفعالي لأن كلا منهما يدرك تماما أن أي خطوة باتجاه التصعيد سيترتب عليها المزيد من الخسائر ولن يكون يكون هناك أي رابح، كما أن لكل منهما مصالح مشتركة في العديد من الدول وخاصة العربية وهذا يعني أن المجال مفتوح لتصفية الحسابات، والحل الوحيد الذي تتبعه كلا الدولتين هو العودة خطوة للوراء والاقتصار على التهديد واستعراض القوة.
لذا أصبح الأمر واضحا أن هناك خطوط حمراء تمنع التماس ليس فقط بين أمريكا وإيران بل إن هذه الخطوط توجد بين أي طرفين متنازعين كبيرا كان أم صغيرا والغاية من هذه الخطوط قد تكون المحافظة على توازن القوى العالمية التي تتحكم بسياسة كل دولة.
عذراً التعليقات مغلقة