هل العداء الإيراني-الإسرائيلي حقيقي؟

ضياء قدور5 يناير 2020آخر تحديث :
هل العداء الإيراني-الإسرائيلي حقيقي؟

أحدهما ينعَت الآخر بالقاتل، وبأنه أكبر داعم للإرهاب في العالم وأخطر بلد في العالم؛ والآخر يصفه بالغدة السرطانية والكلب النجس والمسعور، ويرفع شعارات الموت ضده في كل مكان.

إيران وإسرائيل، عداوة ظاهرية تطفو على سطح الحرب الكلامية التي لا يتوانى أحدهم عن استخدام لحنه وأديباته الخاصة فيها.

ذات مرة تحدث حسين سلامي القائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني عن وجود أكثر من 100 ألف صاروخ في لبنان مجهزين للإطلاق نحو إسرائيل بأمر واحد من إيران.

ما مدى خطورة إسرائيل وإيران ضد بعضهما البعض؟ وإذا نظرنا للقضية من منظور آخر، في إطار سياسة العداء الظاهري ما مدى حاجة أحدهما للآخر من أجل تأمين وتحقيق أهدافه الداخلية والإقليمية والعالمية؟ وهل يمكن إسقاط ما يحدث من تجاذبات وتباعدات بين إيران والولايات المتحدة لتحقيق أهدافهم في المنطقة على الحالة الإيرانية الإسرائيلية؟

سجل حافل بالصداقة والعلاقات المشتركة ما بين البلدين

بعد يوم واحد فقط من تأسيس دولة إسرائيل في ١٤ مايو ١٩٤٨، دخلت إسرائيل في صراع مع الدول العربية المحيطة بها.

وعلى الرغم من أن إسرائيل نجحت في صد هجمات الدول العربية، لكن هذه الحرب أظهرت للإسرائيليين بوضوح وجوب تثبيت علاقات قوية لهم مع الدول المحيطة بالدول العربية المعادية لها، وخاصة تلك الدول التي لا تملك علاقات جيدة مع المنطقة العربية.

ديفيد بن غوريون مؤسس دولة إسرائيل كان أول من طرح ما يسمى “بالنظرية المحيطة”، التي يتوجب على إسرائيل وفقاً لها أن تسعى لبناء علاقات وثيقة، وتحقيق نوع من الوحدة مع الدول غير العربية في المنطقة.
أبرز تلك الدول كانت إيران وأثيوبيا.

نظراً لعلاقات إيران السيئة مع الدول العربية في تلك الحقبة، والقلق المتصاعد لحكومة الشاه في بدايات عام 1950 من النمو المتزايد لفكرة القومية العربية، شكل موضوع تطبيق النظرية المحيطة مع إيران، فرصة سانحة لإسرائيل لخلق نوع من التوازن السياسي في مواجهة الدول العربية المجاورة.

يقول هنري فورتيج من معهد جيجا في هامبورغ بألمانيا، حول العلاقات بين إيران وإسرائيل في ذلك الوقت: “هذه كانت علاقة رائعة، وذلك في ظل السياسية الإسرائيلية المسماة بالسياسة المحيطة التي تسعى لإنشاء علاقات وروابط جيدة مع الدول المحيطة مثل أثيوبيا وإيران”.

العلاقة بين إيران واسرائيل أصبحت أكثر إثارة للاهتمام، خاصة بعد إظهار إيران استعدادها تأمين القسم الأكبر من الاحتياجات الإسرائيلية للنفط.

وفي المقابل، قامت إسرائيل بتقديم تدريبات لخبراء الشؤون الزراعية في إيران، وصدرت معدات تكنولوجية متقدمة لهذا البلد، وساعدت في تدريب وإعادة بناء القوات العسكرية الإيرانية.

وقام شاه إيران بتمويل هذه المساعدات الإسرائيلية بإرسال النفط إلى إسرائيل، وحتى قبل وقت قصيرمن سقوط الشاه، زودت إيران ٨٠ بالمائة من النفط اللازم لإسرائيل.

التعامل السري بين البلدين بعد انتصار الثورة في إيران

لطالما شكل مقياس العلاقة بين الدول الصديقة أو العدوة محط تشكيك أو تأكيد المحللين السياسيين، خاصة أننا نتحدث عن علاقة ما بين دولتين يرفعان ظاهرياً شعارات الموت ضد بعضهما البعض على مدار سنوات عديدة.

أفضل وأوضح ما يمكن وصف العلاقة بين إيران وإسرائيل بالمعقدة، فاليوم هناك عداوة ظاهرية عميقة بين البلدين، لكن خلف الستار كان هناك تعاون وثيق بينهما بعد انتصار الثورة في إيران في عام 1979 واشتعال الحرب العراقية الإيرانية.

صحيح أن انتصار الثورة في إيران ألغى فجأةً التعاون الظاهري الطاغي بين البلدين في زمن الشاه، لكن عامل الحرب بين إيران والعراق فعًَل التعاون السري والخفي من تحت الطاولة.

هنا بدأت تظهر أول محددات العلاقة بين إيران واسرائيل، والتي تقوم على فكرة وجود عدو مشترك أو فكرة وجوب وجود عداوة من أجل تحقيق أهدافهم الداخلية والإقليمية وحتى العالمية.

شكل نظام الرئيس الراحل صدام حسين ذاك العدو المشترك، حيث رأت فيه إسرائيل أكبر خطر حقيقي يهدد وجودها، ورأت فيه الجمهورية الإسلامية أكبر عقبة في طريق تصدير ثورتها وأفكارها للعالم العربي.

على الرغم من ذلك كله، بقيت محددات العلاقة ما بين البلدين تقوم على إخفاء أي اثبات أو دليل يشير لوجود تعاون سري بينهما مهما حاولت العلاقات أن تطفو على السطح.

وفقا لدراسة أجراها معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، صدَّرت إسرائيل أسلحة بقيمة 500 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب فقط.

وفي بدايات عام 1980، كان هناك شائعات تقول بأن العراق يريد صنع قنبلة نووية، الأمر الذي شكل تهديداً لإيران وإسرائيل معاً.

في ذلك الوقت، قدمت المخابرات الإيرانية معلومات مهمة لسلاح الجو الإسرائيلي، مما ساعد إسرائيل في قصف المفاعل النووي العراقي في شرق البلاد عام 1981.

وفي حوار لمدة ثلاث ساعات بين الخميني ومساعديه، أقرّ خميني استراتيجية “ألا تكون إيران طرف مباشر في الصراع العربي الإسرائيلي، وأن يكون إسهامها محدودا”.

أكبر دليل على ذلك هو رفض خميني عرض صدام حسين إيقاف الحرب، وإرسال قوات مشتركة لمحاربة إسرائيل في لبنان، مصراً على أن تحرير القدس يبدأ من كربلاء.

أما في حزيران (يونيو) 1982 استقبل أهالي الجنوب اللبناني (حاضنة حزب الله وأنصار تيار المقاومة والممانعة اليوم) الجيش الإسرائيلي الغازي بالورود والأرز.

التعاون السري والخفي بين البلدين كان مثيرًا للجدل، حيث كانت جميع الأطراف تحاول الإبقاء عليه سراً، دون الظهور للعلن، لكن في شهر نوفمبر 1986، كشفت قضية “إيران كونترا” أن واشنطن باعت الآلاف من الدبابات وصواريخ الدفاع الجوي لإيران من خلال عقود شراء أسلحة كانت تتم أغلبها عن طريق إسرائيل.

كذبة حرب تموز والأكاذيب التي تلتها

لطالما اعتمد السياسة الإسرائيلية دائماً مبدأ الاستثمار في التهديدات والمخاطر الخارجية على الوجود اليهودي من أجل كسب الدعم الدولي، والاستناد على فكرة أن إسرائيل من دون دعم تواجه خطر الموت.
في مقابل ذلك، بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين (أيقونة العدو المشترك) واحتلال العراق، وجد الطرفان نفسيهما في مواجهة بعضهما البعض.

وهنا بدأت حرب التصريحات الكلامية تشتغل بين الطرفين رويداً رويداً، في إطار تنافس حقيقي بينهما لتحقيق أهدافهم الداخلية والإقليمية.

ظاهرياً اتخذ كل منها الآخر عدواً له، فصدرت إيران نفسها للعالم العربي والإسلامي كمقاومة وممانعة للعدو الصهيوني، وفي المقابل صدرت إسرائيل نفسها إقليمياً وعالمياً كمحاربة للداعم الأكبر للإرهاب في العالم، وصاحب المشروع النووي والصاروخي الذي يهدد المنطقة والعالم.

من أجل إكمال مسرحية العداء الظاهري، كان لا بد من افتعال حرب (ولو كانت إعلامية وظاهرية) من أجل تثبيت فكرة وجود عداء حقيقي بين الطرفين في الوعي الإقليمي والعالمي.

حرب تموز عام 2006 بتداعياتها وآثارها اللاحقة قدمت أكبر خدمة للطرفين المتعادين ظاهرياً في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها كل منهما.

لفهم وإدراك العلاقة الإيرانية الإسرائيلية السرية، لا يهم ما يحدث بينهما في الوقت الفعلي من توترات وعداءات وتصريحات نارية، المهم هو ما يتم استثماره لاحقاً من تداعيات هذه العلاقة المعقدة.
اندلاع الثورة السورية في عام 2011، ودخول النظام الإيراني بكل قوة لدعم النظام السوري، كشف عورات العلاقة الإيرانية الإسرائيلية السرية، ووضعها على المحك.

ففي أوج التدخلات الإيرانية في سوريا بين عامي 2012 و2014 لم تضرب اسرائيل أي موقع إيراني في سوريا نهائياً، وذلك لحاجة مشتركة بين الطرفين في كبح جماح الشعب السوري الثائر.

النقطة المهمة في الموقف الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سوريا، هي أنه رغم علم إسرائيل بوجود مليشيات إيرانية عديدة تدعم نظام الأسد، لكنها لا ترى مشكلة في ذلك، فتركيزها منصب على القواعد الإيرانية التي قد تهدد أمنها، وتهدد ميزان القوى في المنطقة.

أكبر دليل على ذلك، أن الضربات الإسرائيلية العديدة ضد إيران في سوريا لم تركز على الأفراد بقدر تركيزها على الإمكانيات والعتاد والقواعد.

الضربات كانت بمثابة رسائل ضغط إسرائيلية على إيران، ورسائل لروسيا لكي تضغط على إيران، ولنظام الأسد بأنه إذا لم يعمل على تهدئة الإيرانيين فالضرر سيلحق به أيضاً.

عدم الرد الإيراني على مئات الضربات الإسرائيلية خلال الأعوام الماضية، لم يكن مثيراً للاستغراب والدهشة بقدر ما ذكره تقرير صدر عن تلفزيون سوريا بتاريخ 12 أيلول 2019 تحت عنوان (إسرائيل تلاحق مستودعات إيران في سوريا وتنبهها قبل القصف).

حيث ذكر التقرير أن شركة “إمجسات انتل” التي تتخذ من تل أبيب مقراً لها، ويديرها نعوم سيغال الضابط السابق في سلاج الجو الإسرائيلي، تتبعت أثر الغارات الإسرائيلية في سوريا.

وأضاف التقرير أنه من بين عشرات الغارات ركزت الشركة الإسرائيلية على القصف الذي استهدف مستودعات ومصانع إيرانية في سوريا، والدمار الذي لحق بها، وفي عدة مرات سبقت الشركة قصف الطائرات الإسرائيلية بنشر صور لمواقع تسيطر عليها ميليشيات إيرانية، فيما يبدو نوعاً من التنبيه الإسرائيلي لإيران.

وأشار التقرير لعدة حالات تنبيه إسرائيلية لإيران قبل القصف ومنها إلقاء الضوء على قاعدة إيرانية في البوكمال، وبعدها بخمسة أيام في 8 أيلول 2019 استهدفت إسرائيل مستودعات في هذه القاعدة.
قد يقول قائل:
اسرائيل وإيران أعداء، وما يقوله الإعلام السوري المعارض بوجود تحالف بينهم هراء!.
لا يا صديقي فما بين الكيانين هو تنافس وحاجة لإظهار وجود عداوة بينهما من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة، وليس عداء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهم كالغربان التي تنعق فوق الجثث وتنقر بعضها البعض عندما تقع مناقيرهم على لقمة واحدة.

إن العداء الإيراني الإسرائيلي الظاهري هو مجرد تنافس استراتيجي على النفوذ في المنطقة، وهو صراع ناعم من النوع السياسي والإعلامي في أغلب الأحوال، لا يمكن أن يصل لحد تهديد أحدهما لوجود الآخر ومحوه من على وجه الأرض من الناحية العملية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل