التمثيل السياسي للثورة السورية بين الواقع والأمل

فريق التحرير13 أغسطس 2016آخر تحديث :
التمثيل السياسي للثورة السورية بين الواقع والأمل

سليم قباني

* سليم قباني
في الأسبوع الثاني من مظاهرات الثورة السورية هتفت حناجر المتظاهرين بهتافين بارزين (حرية.. حرية) و (الشعب يريد إسقاط النظام)، ومع ظهور هذين الشعارين الحاسمين أيقن أغلب المثقفين والسياسيين الذين انحازوا للثورة أن الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة باتت بحاجة لممثل سياسي، ما دامت المطالب ولا سيما مطلب إسقاط النظام هي مطالب سياسية صادرة عن جموع شعبية ستحول الاحتجاجات لا محالة إلى ثورة عارمة.
7 أشهر مضت على الثورة قبل أن يتأسس المجلس الوطني السوري الذي ضم أغلب التشكيلات الثورة والسياسية المشاركة بالثورة إضافة إلى ممثلين عن المعارضة التقليدية للنظام، لكن هذا التشكيل تناسى أو تجاوز عمداً ضم ممثلين عن الجيش الحر الذي بدأ آنذاك يحضر بقوة على ساحة الثورة السورية، مع تزايد وتيرة انشقاق العناصر والضباط عن الجيش، وقيامهم بعمليات عسكرية محدودة توخت في تلك المرحلة الدفاع عن المدنيين وحماية المظاهرات.
ولم يكتف مؤسسو المجلس الوطني بتجاهل وجود الجيش الحر فحسب، بل قاموا أيضاً بتهميش دور العسكر المنشق وعدم إعطائهم الحق بالمشاركة في القرار السياسي.
ورغم أن المجلس الوطني بذل الكثير من الجهود الدبلوماسية والسياسية مع الدول التي أعلنت انها مع مطالب الشعب الثائر قرابة ستة أشهر، إلا أن قيادته لم تكن فعلياً على قدر المسؤولية في هذه المهمة الصعبة، مع الاعتراف أن عجز المجلس الوطني لم يكن داخلياً فحسب، فالدول الفاعلة في الملف السوري لم تقدم ما يلزم من أدوات لإنجاح عمل المجلس الوطني، بل وتسببت في فشله في أحيان كثيرة.
بدأت ملامح فشل المجلس الوطني تظهر أكثر فأكثر مع فشل التعاطي بجدية مع المبادرات السياسية العربية والدولية، وسيطرة كتل سياسية بعينها على قرار وقيادة المجلس الوطني، وبدأت الانتقادات تتعالى في وجوه قيادات المجلس الوطني من الشارع السوري الثائر وبشكل مكثف، عبر المظاهرات المناهضة له وتوقيع بيانات تطالب بحل المجلس الوطني، وبدأت استقالات أعضاء من المجلس الوطني تتوالى كمبادرة للاعتراض على مهزلة إدارة ملف الثورة من قبل المجلس الوطني، ورفضاً لسيطرة كتل سياسية أبعدت ممثلي الثورة الحقيقيين عن مواقع صنع القرار.
ومع استمرار حالة الجمود في عمل المجلس نتيجة الاستقطابات السياسية وتجاذبات كتله وصراعات شخصياته جاء تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ليعيد الأمل بتمثيل حقيقي للثورة.
تأسس الائتلاف الوطني بدعم من الدول التي أيدت مطالب الثورة وضم هذا الجسم السياسي الجديد عدداً من قيادات العمل الثوري المسلح، إلى جانب أغلب المعارضين السياسيين وبعض تشكيلات ناشطي الثورة وممثلين من كل اطياف وفئات المجتمع السوري، وبعد تشكيله بأشهر تعرض لنفس أمراض المجلس الوطني، وبدأت تتشكل التكتلات السياسية داخله، وظهرت مشكلة شراء الذمم لصالح قرارات معينة من قبل التكتلات التي كانت تدعم من دول محددة، في محاولة للاستحواذ على القرار السوري الثوري، وتناسى معظم قادة الائتلاف التضحيات الكبيرة التي كان الشعب السوري وثواره يدفعونها من دمائهم وأملامكهم، وبدا الأمر بالنسبة لهؤلاء القادة وكأنه لا ثورة على الأرض، ولا معارك ولا شهداء ولا تهجير ولا لاجئين.
واستمر الائتلاف معطلاً نحو سنتين حتى ضاقت الفصائل الثورية ذرعاً قبل الشعب الثائر ضد النظام من تشرذم الائتلاف وتحول اجتماعاته الى مزادات علنيية للأصوات والذمم، تتخذ فيها قرارات باسم الشعب الثائر لصالح من يدفع السعر الأعلى وكانت بعض هذه القرارات تحفظ حقوق الدول الداعمة فيما تضر بالقرار السياسي المستقل للثورة، وهذا ما أفقد الائتلاف مصداقيته على الأرض، وظهرت محاولات من بعض السياسيين المغمورين  لتصحيح وجهة الائتلاف كونه هو واجهة الثورة السياسية، ولكن لم يكن هناك أي جدوى وبدأ الشارع الثائر ضد النظام يفقد ثقته بأي سياسي معارض وأي عملية سياسية بسبب ما شاهده من تجارب امام عينه.
فصائل المعارضة المسلحة هي الأخرى لم تعد تثق بالعمل السياسي الذي يقوم به الائتلاف ومن قبله المجلس الوطني، وفقدان الثقة من الشارع الثائر والمعارضة المسلحة الموجودة على الأرض بأي عملية سياسية او تكتل سياسي وضع الثورة السورية في موقف صعب للغاية، يمكن اعتباره بالمجمد، فليس هناك قرارات تصدر عن أي جهة سياسية تمثل الشعب الثائر بحق، وتنفذ قراراتها على أرض الواقع وفي الداخل السوري، وما زالت هذه المعضلة مستمرة رغم تأسيس ما سمي “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي ثارت شكوك كثيرة حول مهمتها وطريقة تشكيلها والأعضاء التي ضمتهم.
وحتى الآن ما زال الانفصال التام قائماً بين العمل السياسي وممثليه من جهة، والعمل الثوري العسكري والمدني في الداخل السوري وممثليه من جهة أخرى، وهذا الانفصال يعتبر أكبر تحدٍ تواجهه الثورة السورية منذ انطلاقتها، ويبدو أنه ليس هناك بصيص ضوء ينهي عتمة هذا النفق الطويل، حيث لا يبدو أن الوقت حان لظهور مبادرة أو حل يوحد الكتل السياسية حول خطة عمل يتوحد خلفها الجناح العسكري للثورة والشارع الثائر.
وحتى ذلك الوقت سيبقى الشعب السوري الثائر يحلم أن يكون للثورة السورية تمثيل سياسي يمثل تطلعاتها.
فهل يتحقق الحلم قريباً؟ أم نبقى لفترة أطول في هذا الواقع المرير؟

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل