ياسر محمد- حرية برس:
لم ينتظر المستفيدون من “المنطقة الآمنة” يوماً واحداً حتى بدؤوا بترسيم الحدود وتوزيع الأراضي والامتيازات بينهم، تاركين للسوريين (نظاماً ومعارضة وانفصاليين) جني الأوهام وتصدير الانتصارات الزائفة لمواطنيهم، والوعود بالحماية الأجنبية على أرضهم وبناء الكثير من مخيمات النزوح بشروط محسنة!.
فبعد ساعات من “الاتفاق التاريخي” الذي توصل إليه أمس الرئيسان التركي والروسي، تجولت دورية للشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود التابع لنظام الأسد في الريف الغربي لمدينة عين العرب (كوباني) الخاضعة لسيطرة ميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها ستقيم قاعدة لها قرب مدينة عين العرب.
فيما قالت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الأربعاء، إن اتفاق سوتشي ينص على عدم انتشار القوات التركية في منبج وعين العرب.
واكتفت روسيا لتنفيذ أجندتها بتهديد الانفصاليين بمواجهة الجيش التركي في حال لم ينفذوا اتفاق سوتشي، وأكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أنه إذا لم ينسحب الأكراد من المناطق المتفق عليها بشمال سوريا، فستُضطر الشرطة العسكرية الروسية وقوات حرس الحدود السوري (قوات النظام) للانسحاب، مما سيجعل الأكراد يواجهون ضربات الجيش التركي.
وقال بيسكوف إن الولايات المتحدة تخلت عن الأكراد، وفي الواقع خانتهم، وإن الأميركيين يفضلون الآن ترك الأكراد على الحدود وإجبارهم على محاربة الأتراك.
إلا أن “قسد” تبدو ماضية في بيع الأوهام لأنصارها الذين تلقوا خذلاناً تاريخياً جديداً، بعد تخلي حلفائهم جميعاً عنهم أو عجزهم عن مساعدتهم.
وفي هذا الصدد، قال قائد ميلشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، اليوم الأربعاء، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعد بالحفاظ على دعم طويل الأمد للقوات التي يقودها الأكراد.
وأضاف مظلوم، الذي قال إنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع ترامب، في تغريدة على تويتر أن ترامب تعهد بمواصلة الدعم في “مجالات مختلفة”!.
ويحاول قائد “قسد” امتصاص الهزيمة التاريخية التي مُني بها انفصاليو “روجافا”، الذين تخلت عنهم واشنطن وتاجرت بهم روسيا وإيران، ولم تستطع أوروبا مساعدتهم في تنفيذ أجندتهم.
ترامب الذي بدا سعيداً جداً بالاتفاق الروسي التركي، أكد أن بلاده ستحتفظ بعدد محدود من القوات في المنطقة التي يوجد بها النفط السوري (الجزيرة وشرق الفرات) و”ستقرر ما ستفعله بالنفط في المستقبل”.. وبهذا تكون قد ضمنت حصتها من الكعكة السورية بأقل قدر من التكاليف.
أما تركيا فيقول مسؤولوها ومراقبون إنها حققت كل غاياتها على الحدود السورية، إذ ضمنت إبعاد العدو التاريخي (بي كي كي) وحلفائه عن حدودها، كما ضمنت السيطرة على منطقة تمتد 120 كم بعمق 30 كم (ما بين تل أبيض ورأس العين)، وهي كافية لإعادة توطين مليوني إلى 3 ملايين لاجئ سوري، تعتزم تركيا إعادتهم على مرحلتين أو ثلاثة مراحل، وهو من أهم أهداف العملية التركية شرق الفرات وفق ما أعلن الرئيس التركي وأركان دولته مراراً وتكراراً، وهو السيناريو الذي يتخوف منه كثير من اللاجئين السوريين في تركيا، بالتضييق عليهم لإجبارهم على العودة إلى غير بلداتهم وبيوتهم.
نظام الأسد من جهته، وكعادته، حول الهزيمة إلى انتصار، إذ “رحب” رأس النظام بالاتفاق الروسي التركي الذي أبلغه به بوتين اليوم، أي بعد يوم من إبرامه!.
وليبيع أنصاره وما تبقى من مؤيديه الوهم مجدداً، روجت وسائل إعلامه أنه سيعود إلى مناطق جديدة في سوريا، وحقيقة الأمر أن وزارة الدفاع الروسية نشرت خريطة تظهر 15 موقعاً عسكرياً حددتها هي لانتشار قوات النظام تحت إشرافها على الحدود مع تركيا.
وتبقى روسيا هي المستفيد الأكبر من الاتفاق ومن الخطوات النافذة على الأرض، إذ إن السيطرة تتوزع ما بينها وبين أتباعها أو حلفائها، مع انكماش الأميركان إلى أقصى حد، واستعداد ترامب لمغادرة سوريا في أي لحظة، وتبدو روسيا هي المرشح الأوفر حظاً للفوز بتركته في غياب المنافسين، إلا إيران التي تُبدي اهتماماً كبيراً بالبادية السورية شريانها الواصل ما بين طهران ودمشق والضاحية الجنوبية لبيروت.
Sorry Comments are closed