في حقل تكويه اشعة الشمس خارج مدينة الرمثا الاردنية، تسير مجاميع من الرجال والنسوة السوريين بتأن وحذر بين صفوف من نباتات الفلفل الاخضر.
تقول واحدة من هؤلاء، واسمها منال، وهي تفرغ ما يحتويه كيسها من فلفل في شوال يحمله شقيقها الاصغر “اقوم بالغرس وازالة الاعشاب الضارة وجني المحصول في هذه المزرعة، فهو نفس العمل الذي كنا نمارسه في ارضنا في حمص.”
طالما كان اللاجئون السوريون يعملون بشكل غير قانوني في المزارع الاردنية، ولكنهم كانوا يخاطرون باحتمال اعادتهم قسرا الى بلادهم التي تمزقها الحرب في حال انكشاف امرهم.
اما الآن، فقد قررت السلطات الاردنية منح اللاجئين السوريين تراخيص عمل مجانية.
يقول محمد، وهو لاجئ سوري استفاد من القرار الجديد “نشعر بالفرق، ففي الماضي لم نكن نتمكن من العمل بسهولة خارج المخيم، كنا نهرب من الشرطة. اما الآن وقد حصلنا على تراخيص العمل اصبح الوضع ممتازا.”
يستضيف الاردن نحو 650 الفا من اللاجئين السوريين المسجلين رسميا، ولكن لم تسمح الحكومة الاردنية للاغلبية الساحقة من هؤلاء بالعمل.
فقد كانت السلطات الاردنية تخشى من ان يؤدي ذلك الى خفض الاجور والاستحواذ على فرص عمل الاردنيين علاوة على تشجيع اللاجئين على البقاء في الاردن بشكل دائم مما قد يثير الحساسيات والغضب على الحكومة.
اما الآن، فيبدو ان السلطات الاردنية بدأت باختبار امكانية اخرى، تتلخص في ان وجود هذا العدد الكبير من السوريين قد يساعد في تعزيز اقتصاد البلاد المتعثر.
“تجارة رابحة”
يعمل نحو 350 سوريا في المزرعة التي زرتها، وتدعى مزرعة الرحمن.
يقول مالك المزرعة، ويدعى جمال الزعبي، إن قرار السماح للسوريين بالعمل “ساعدنا كثيرا، فقد جنبنا متاعب جلب عمالة وافدة من الخارج، كما وفرعلينا العاملون السوريون المال.”
ومضى للقول “كنا نشغل العمال المصريين باجر يبلغ دينارين اردنيين (2,80 دولارا امريكيا) في الساعة، وكان اولئك العاملون هم الذين يفرضون شروطهم علينا. اما وقد جاء السوريون، انخفضت الاجور التي يتقاضونها. اصبح لدينا عدد اكبر من العمال وبدأنا باستغلال مساحات اكبر من الارض، والآن اصبحت لدينا مساحة كبيرة جدا.”
السوريون الذين يعملون في مزرعة الرحمن هذه يأتون من مخيم مجاور للاجئين، ويتقاضون اجرا لا يتجاوز الدينار الاردني الواحد في الساعة اضافة الى طعام الافطار الذي يوفره مالك المزرعة مجانا. يقول الزعبي إنه ترتيب يعني الربح للجميع.
ويقول “يعيش هؤلاء الناس الآن بكرامة، فالمخيم الذي يعيشون فيه كئيب جدا. اما الآن فهم احرار يأتون ويذهبون متى يشاؤون، فهم يذهبون الى السوق ولديهم تراخيص. وليست هناك أي مشاكل.”
تحد يتحول الى فرصة
اعلنت السلطات الاردنية عن تغيير سياستها تجاه عمل اللاجئين السوريين في مؤتمر للمانحين الدوليين عقد في شباط / فبراير الماضي في لندن.
وبموجب صفقة عقدت في ذلك المؤتمر، وافق زعماء اوروبيون على تخفيف القيود التجارية المفروضة على الاردن مقابل سماح الاردنيين للاجئين بالعمل بشكل قانوني.
وفي الشهر الماضي، تم التوصل الى اتفاق مهم الغاية منه تسهيل وتبسيط القيود المفروضة على شهادات المنشأ للمصانع الاردنية التي تصدر منتجاتها الى الاتحاد الاوروبي وذلك بالسماح لهذه المصانع باستخدام كميات اكبر من المواد الاولية المستوردة في منتجاتها التي تعرّف بأنها مصنوعة في الاردن والتي يسمح بتصديرها الى سوق الاتحاد الاوروبي دون الحاجة الى دفع رسوم.
واصدرت السلطات الاردنية لوائح بعدد العمال السوريين الذين يمكن لأي مصلحة ان توظفهم لديها.
يقول عماد فاخوري وزير التخطيط الاردني “وجود قوانين المنشأ الجديدة والقدرة على تشغيل اللاجئين السوريين في القطاعات المختلفة – وخصوصا كعمال – يسمح لنا بتحويل العبء الذي يشكله اللاجئون السوريون الى فرصة حقيقية.”
“نأمل ان يؤدي ذلك الى زيادة فرص العمل للاردنيين والسوريين وجذب استثمارات جديدة وزيادة حجم الصادرات مما سيسهم في زيادة النمو الاقتصادي.”
رفع مستوى المعيشة
يسجل الاقتصاد الاردني حاليا نسبة نمو لا تتجاوز 2,4 بالمئة، فقد تضرر الاقتصاد جراء فقدان النشاط التجاري مع بلدين جارين مهمين ابتليا بالحروب هما العراق وسوريا، كما يئن الاقتصاد الاردني من وطأة دين مرتفع.
اما الآن، فقد حصل الاردن على دعم دولي سيساعده في احياء اقتصاده.
فقد اعلن البنك الدولي عن تقديم قرض 100 مليون دولار بدون فائدة للاردن، وفي الشهر المقبل، من المتوقع ان يعلن البنك عن برنامج قيمته 300 مليون دولار لجذب الاستثمارات واصلاح سوق العمالة وخلق فرص عمل جديدة.
والهدف الذي حدد للاردن هو تشغيل 200 الف سوري.
الاتحاد الاوروبي تحديدا يريد من الاردن ان يشغل عددا اكبر من اللاجئين السوريين املا في ان يثنيهم ارتفاع مستوى معيشتهم عن محاولة التوجه الى القارة الاوروبية.
كما يريد المانحون ان يقلصوا من اعتماد اللاجئين على المنح والمساعدات.
ولكن حجم المساعدات التي وعد بها المانحون اللاجئين السوريين في الاردن ولبنان وتركيا لم يحقق هذه الوعود، وكان التدفق الهائل الذي شهده العام الماضي للاجئين الى اوروبا نتيجة جزئية لخفض المعونات الغذائية والمالية.
“غير كاف”
اصدرت السلطات الاردنية الى الآن نحو 20 الف رخصة عمل للاجئين السوريين، وبينما يعبر العديد من هؤلاء عن سعادتهم بالحصول على هذه الرخص ما زال كثيرون يقولون إنه ينبغي عمل المزيد من اجل تحسين اوضاعهم.
في العاصمة الاردنية عمان، التقيت بنجار متوسط العمر طلب منا عدم ذكر اسمه. يقوم هذا بصنع اثاث فاخر كالذي كان ينتجه في ورشته في مدينة حمص السورية.
ولكن في الاردن لا يمكن له ان يتقاضى الا الحد الادنى من الاجور، فالترخيص الصادر له ينص على انه يعمل في مجال مختلف ذي مهارة متدنية.
يقول النجار “هناك الكثير من المعاناة هنا حتى عند الذين يعملون، فالاجور لا تكفي، والامم المتحدة لا توفر الا القليل من العون. فأنا متخلف عن دفع ايجار سكني، ولدي الكثير من الديون.”
ويضيف “لا تتوفر لنا العناية الصحية، وانا انفق كل ما لدي من مدخرات على العناية الطبية لزوجتي. وانا احتاج الى اجراء عملية في القلب ولا ينبغي علي العمل، ولكن في اليوم الذي لا اعمل فيه لا اتمكن من اطعام نفسي.”
* المصدر: BBC
عذراً التعليقات مغلقة