شهد لبنان سلسلة تحركات في الشارع الأحد الماضي، احتجاجات شعبية في وسط العاصمة بيروت وأخرى في مناطق لبنانية عدة، فيما جرى إغلاق بعض الطرقات الرئيسية لفترة وجيزة بالإطارات المشتعلة.
التحرك، الذي كان في جزء أساسي منه عفويا، وبقي محدودا من حيث أعداد المشاركين، لا يخفي وجود أبعاد سياسية تمثلت في سلسلة رسائل جرى توجيهها من خلال هذه التحركات في الشارع اللبناني.
لاشك أن الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان اليوم تفاقمت في الآونة الأخيرة، وزادت من الضغوط على الحياة اليومية للمواطنين، وزادت من انعدام الثقة بين السلطة والشعب.
الجانب الآخر من الأزمة هو ما يمكن ملاحظته في تداعيات العقوبات الأميركية على حزب الله من جهة، وفي الخيبة الدولية، والفرنسية تحديدا حيال عدم قيام السلطة اللبنانية بالإصلاحات المطلوبة من أجل إطلاق برنامج دعم لبنان “سيدر” من جهة ثانية.
ففي الأسبوعين الآخيرين شهد لبنان أزمة تراجع العملة النقدية للدولار في السوق، نتيجة “ظاهرة غير طبيعية” تمثلت في سحب كميات كبيرة من الأسواق للدولار، فيما رفض مصرف لبنان ضخ الدولار في السوق، باعتبار أن ما يجري غير طبيعي ولا يتناسب مع العمليات المالية الطبيعية المعهودة، وهذا ما أدى إلى أن يرتفع سعر صرف الدولار إلى 1700 ليرة لبنانية، فيما بقي مصرف لبنان يتعامل مع البنوك على سعر يزيد قليلا عن 1500 ليرة.
باختصار، ما جرى كان يمثل قيام مافيات مالية محميّة بشراء الدولار بأسعار مغرية من محلات الصرافة وغيرها. وتحدث أكثر من خبير مالي لبناني عن عمليات نقل الدولار الورقي إلى سوريا، فيما رجحت مصادر متابعة قيام حزب الله، ولأسباب مالية سببها الحصار والعقوبات، إلى الاتكاء على السوق السوداء لتوفير العملة الصعبة، لتلبية احتياجات مالية كان يتم توفيرها بطرق بات من الصعب توفيرها اليوم بنفس الطريقة، أي عبر عمليات مالية باتت البنوك اللبنانية شديدة الحذر في الدخول فيها.
لذا صعّد حزب الله من هجومه على حاكم مصرف لبنان، الذي يتولى إدارة سياسة النقد، وفي نفس الوقت هو الذي يتولى عملية الرقابة على المصارف اللبنانية، وهو الجهة المسؤولة أمام وزارة الخزانة الأميركية لجهة التزام المصارف اللبنانية بالعقوبات الأميركية.
العقوبات المالية على حزب الله دفعت الحزب، وتحديدا أمينه العام حسن نصرالله، إلى التوجّه إلى طهران، فحسب ما يجري تناقله داخل أوساط حزب الله أن زيارة نصرالله، التي كانت مسبوقة بتجديده الولاء للمرشد الإيراني السيد علي خامنئي أو “حسين العصر”، جرت في سياق توفير موارد مالية لحزب الله. وتروّج هذه الأوساط أن “نصرالله رفع الصوت عاليا أمام القيادة الإيرانية إلى ضرورة إعطاء أولوية لدعم حزب الله ماليا وعلى مستوى ما يتطلبه الواقع، لاسيما في حال وقع عدوان إسرائيلي على لبنان”.
إلى جانب العقوبات الأميركية التي يُرجح أن تطال في مرحلة مقبلة متعاونين سياسيين مع حزب الله، فإن ما نقله مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى في الخزانة الأميركية، خلال زيارتهم بيروت قبل أسبوع، يبدو أنه أعمق في تأثيراته مما يشاع. ففي المعلومات أن الإدارة الأميركية باتت تدرك أن ثمة شبكة منافع ومصالح كبرى يديرها حزب الله من داخل المؤسسات الرسمية، كما يدير نظام مصالح مافيوي لمجموعة من رجال الأعمال اللبنانيين وغير اللبنانيين تتحكم به منافع مالية مشروعة وغير مشروعة. وحسب المعلومات من مصادر أميركية، فإن لبنان تحول إلى سوق غير شرعي لمنتجات إيرانية لاسيما على صعيد الدواء والحديد الصلب، مستفيدة من سيطرة حزب الله على المرافئ غير الشرعية ونفوذ مباشر وغير مباشر على المرافئ الشرعية.
من هنا تشير المواقف الأميركية إلى أن مسار العقوبات وإن كان يسير بخطوات بطيئة إلا أنه ينطوي، حسب بعض المحللين الاقتصاديين، إلى سياسة طويلة الأمد، تستهدف الفصل بين منظومة حزب الله وأذرعها من جهة، والمؤسسات اللبنانية سواء تلك الرسمية أو الخاصة من جهة أخرى، وهذا مسار دون صعوبات لا يمكن أن يحقق نجاحا كاملا على مستوى الأهداف الأميركية، إلا أن إثارة الخوف والحذر لدى أصحاب المال من ربط نظام مصالحهم بمصالح حزب الله حقق على ما يبدو الكثير من الخطوات.
ذلك ما جعل حزب الله يوجه أكثر من رسالة، بأنه لن يسمح بأن يُخنق اقتصاديا، وإذا كان لا مفر من ذلك فهو لن يكون وحيدا بل كل لبنان سيختنق أيضا.
التحركات في الشارع اللبناني انطوت على توجيه رسائل سياسية، بأن لبنان قابل لأن يعيش فوضى سياسية فيما لو استمر الضغط الاقتصادي والعقوبات المالية على حزب الله أولا. ورسالة أمنية مفادها أن الاستقرار الأمني ليس قدرا، وبالتالي فمن يريد الاستقرار الأمني في لبنان، سواء كان أوروبيا أو أميركيا، يجب أن يتعامل مع حقيقة أن حزب الله هو عنصر الاستقرار. ورسالة تحذيرية للمصارف، التي كان حزب الله يوجهها إعلاميا وعمل على إرسالها من خلال بعض التحركات الميدانية، هي أن حماية لبنان من العقوبات الأميركية تتطلب حماية حزب الله باعتباره مكونا لبنانيا وليس قوة خارجية، وأن سلوك حاكم مصرف لبنان لم يعد مقبولا وبات يتطلب الرد.
عذراً التعليقات مغلقة