“التجسس لصالح مخابرات الأسد في ألمانيا”، هذه هي التهمة التي وجهتها السلطات الهولندية لطالب لجوء سوري، ما جعلها ترفض طلب لجوئه مبررة ذلك بأن الشخص “خطر على النظام العام والأمن”، حسبما نقلت صحيفة “تلغراف” الهولندية عن وزارة العدل. وكشفت الصحيفة أن طالب اللجوء السوري وصل إلى هولندا عام 2017، ليلتحق بزوجته وأطفاله، مشيرة إلى أنه كان يعمل في السفارة السورية في ألمانيا بين عامي 1999 و2004.
ورغم رفض طلب لجوئه في آذار/ مارس من العام الحالي، وفقاً لشبكة NOS الهولندية، إلا أنه قدم طعناً على رفض طلبه، بحجة أنه مستهدف من قبل المعارضين للنظام. لكن محكمة الاستئناف رفضت الطعن الذي تقدم به وأكدت قرار ترحيله في نهاية آب/ أغسطس الماضي. وقد أثار هذا الموضوع تساؤلات حول الأسباب التي دفعت المحكمة للاكتفاء بترحيله دون أن تلاحقه قانونياً، خصوصاً وأن ذلك الشخص اعترف بأنه كان يعمل لدى الفرع رقم 279 (الفرع الخارجي لإدارة أمن الدولة)، مضيفاً أنه كان يعرف أن الأشخاص الذين يتم اعتقالهم نتيجة تقاريره كان يتم تحويلهم إلى الفرع رقم 285 (فرع التحقيق في إدارة أمن الدولة). وفي قسم التحقيق يتم تعذيب السجناء، كما ذكرت شبكة NOS الهولندية.
“عدم وجود أدلة”
ويرجح المحامي السوري أنور البني، الذي يعمل على جمع الأدلة وإقامة الدعاوى ضد مسؤولين في نظام الأسد متهمين بانتهاك حقوق الإنسان، أن سبب اكتفاء المحكمة الهولندية بترحيل طالب اللجوء السوري هو عدم قدرة الادعاء على إثبات أن أحد تقاريره أدى إلى تعذيب شخص ما.
ويضيف البني في حديث لمهاجر نيوز: “لو كان هناك شخص ادّعى بأنه تعرض للتعذيب في ذلك الفرع نتيجة تقرير كتبه ذلك الشخص، لكان ذلك سبباً لتوقيفه ومحاكمته فيما بعد”. ويتابع الحقوقي السوري أن مجرد الاشتباه بأن تقارير ذلك الشخص قد أدت إلى تعذيب أشخاص، هو ما جعل المحكمة ترفض منحه حق اللجوء وتتخذ قراراً بترحيله.
“الترحيل إلى البلد الذي أتى منه”
ورغم عدم تحديد الوجهة التي تم ترحيل طالب اللجوء المرفوض إليها، فإن البني يستبعد أن يكون قد تم ترحيله إلى سوريا، مشيراً إلى أن الترحيل من هولندا إلى سوريا “غير ممكن حالياً”، ويقول المحامي السوري: “سيتم ترحيله إلى البلد الذي أتى منه، وقد يكون ذلك البلد هو لبنان أو مصر أو تركيا”.
أما عن احتمال ترحيله إلى ألمانيا، حيث كان يعمل سابقاً، يقول البني: “لا أتوقع أنهم رحّلوه إلى ألمانيا، إلا إذا كان قد ذهب مباشرة منها إلى هولندا، أو إذا كان لدى ألمانيا دليل على تورط الشخص في عمليات تعذيب”.
ويعتقد البني أن السلطات الهولندية تواصلت مع ألمانيا قبل أن تتخذ قرار ترحيل طالب اللجوء السوري، ويقول: “هناك خطوط مفتوحة بين سلطات الادعاء العام في جميع الدول الأوروبية، ولذلك فإنني أعتقد أن الادعاء العام في هولندا قد تواصل مع السلطات الألمانية وتأكد من معلومات كثيرة قبل اتخاذ مثل هذا القرار”.
“معضلة”
“المعضلة” الأساسية في قضايا ملاحقة الذين يشبه بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، بحسب أنور البني، هي إيجاد أدلة ضدهم، ويوضح: “يجب أن نثبت أنه ارتكب جريمة محددة في مكان وزمان محددين، ونجد ضحية أو شاهداً على ارتكابه هذه الجريمة”. ويقّدر الحقوقي السوري عدد المشتبه بهم في هذا السياق بنحو ألف شخص في أوروبا.
وقد تمت محاكمة عدة أشخاص في عدد من الدول الأوروبية، ومنها ألمانيا وهولندا، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، لكن تلك المحاكمات كانت لأشخاص ينتمون إلى تنظيمات إرهابية، مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وجبهة النصرة.
إلا أن محاكمة عناصر مخابرات وعملاء لنظام الأسد بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب ستكون سابقة في ألمانيا، كما يقول المحامي السوري، والذي يضيف أنه من المقرر أن تجري أول محاكمة من هذا النوع في بداية العام المقبل.
ففي شباط/ فبراير الماضي أصدر الادعاء العام مذكرة اعتقال بحق عضوين سابقين في مخابرات نظام الأسد بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا. ورغم أن الادعاء العام ألغى أمر اعتقال أحدهم في أيار/ مايو الماضي، إلا أنه أعاد اعتقاله بعد شهرين، كما يوضح أنور البني الذي يتابع القضية.
كيف يتم تقديم الشكاوى أو الدعاوى؟
يشير المحامي السوري إلى أن المسؤول عن مثل هذه القضايا هو وحدة خاصة بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لدى الادعاء العام الألماني الاتحادي في مدينة كارلسروه. أما عن كيفية تقديم شكوى أو دعوى تتعلق بهذه القضايا، فيتم على مستويين، ويوضح البني: “نعمل في المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية على هذه القضايا، فإذا تقدم شخص بشكوى إلينا في هذا الخصوص فنحن نتحقق من الموضوع، ثم نرفع القضية، عند وجود أدلة، إلى الادعاء العام”، مشيراً إلى أن المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ومقره برلين) يساعدهم في صياغة القضايا بحسب القوانين الأوروبية.
بشكل عام، والكلام للبني، يمكن للأشخاص أن يتوجهوا أيضاً إلى وحدة خاصة لدى الشرطة تحقق في الجرائم ضد الإنسانية، والتي تتأكد من صحة القضية قبل أن ترفعها إلى الادعاء العام. وعند سؤال المحامي السوري عن إمكانية ازدياد محاكمات المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ألمانيا، قال: “طبعاً، طالما نحن نعمل، يجب أن تزداد لتأخذ العدالة مجراها”.
عذراً التعليقات مغلقة