ربما، أو على الأرجح، أن مفهوم “جوع الشعب يتبعك” الذي استورده حافظ الأسد من الاتحاد السوفياتي خلال ثمانينات القرن الفائت، لم يزل سائدا بسوريا الأسد، بل ويطرب الوريث أيضا.
بيد أن ثمة أسباب، عدا السياسي الداخلي الكيدي، إن جازت التسمية، والذي يعتمده نظام الأسد، للقصاص من السوريين والهائهم بلقمة عيشهم.
فماهي أهم الأسباب لتراجع سعر صرف الليرة السورية هذه الفترة، ولأدنى سعر أمام الدولار والعملات الرئيسية منذ ثلاث سنوات، رغم تقدم جيش الأسد والاحتلال الروسي، وتوقعاتي إلى أين المآل.
بداية، لاشيء في سوريا يمكن تحليله، علمياً أو منطقياً، ابتداء من كذا وصولا الى كذا.
ولكن برأيي، هناك أسباب عدة أدت إلى تراجع سعر الصرف، إلى نحو 660 ليرة مقابل الدولار.
1- تهافت التجار على شراء القطع الأجنبي لتمويل مستورداتهم، لأن المصرف المركزي بدمشق، توقف عن تمويل المستوردات، أو يكاد. مازاد الطلب على الدولار وزاد من معروض الليرة.
2- ارتفاع وتيرة المستوردات وتراجع الصادرات عموما جراء تراحع الإنتاج، والنفطية خاصة إذ كانت سوريا تصدر قبل عام 2011، نحو 140 ألف برميل نفط، تسوردها اليوم، أو أقل منها بقليل، ما يقلل من الدولار بالسوق والمصارف.
3- أثر العقوبات، الأمريكية خاصة، بعد أن تم تفعيلها قبل شهرين، وتلويح ترامب بالعقوبات، حتى للشركات التي تتعامل مع النظام، أو حتى تشارك بمعرض دمشق الدولي.
4- تراجع كل مايولد دولار لسوريا، من صادرات وسياحة، وحتى تحويل خارجي.
وهنا نقطة جديرة بالتوقف، إذ يمكن اعتبار تقدم عصابات الأسد على الأرض، عاملاً سلبياً عكس مايشاع، وذلك باختصار لسببين، الأول تراجع التحويلات من ذوي أهل المناطق التي كانت محررة. والثاني زيادة عبء مالي على نظام الأسد…فضلا عن تحويل مدخري الليرة بالمناطق المحررة، للدولار، خوفا من المقبل المجهول.
5- زيادة المخاوف بعد ماقيل عن خلاف أسدي مخلوفي، واقبال المكتنزين والمدخرين، على العملات الأجنبية والمعادن الثمينة.
فالعامل النفسي ربما لايقل أهمية عن الاقتصادي، بحالات كما سوريا.
6- استمرار نظام الأسد بالتمويل بالعجز عبر طرائق عدة، أهمها طبع أوراق نقدية بالعملة السورية ورميها بالأسواق، دونما أي تغطية إنتاجية أو خدمية، أو حتى دولارية وذهب.
وهنا نشير إلى أن الاحتياطي الأجنبي بمصرف سوريا المركزي، كان نحو 18 مليار دولار عام 2011، لم يبق منه وفق تقارير دولية، سوى 700 مليون ومنذ عامين، بمعنى، يمكن التنبؤ بنفاد الاحتياطي اليوم، وفق دلائل ومؤشرات عدة، منها الانسحاب من تمويل المستوردات وفق السعر الرسمي 437 ليرة للدولار، أو الامتناع عن بيع الدولار عبر تدخل مباشر كما السنوات السابقة.
وهنا أشير لمن لفته السعر الرسمي والفارق الهائل بينه وبين سعر السوق الهامشية، أن بسوريا الأسد خمسة أسعار للدولار.
7- المضاربة واستغلال الفلتان بسوريا، وخاصة من هوامير وحيتان يدورون في فلك النظام.
وربما، أو على الأرجح، هناك أسباب أخرى وكثيرة، ربما طلب بعض القروض المستحقة لشركاء الأسد، بموسكو وطهران بعضها. بدليل كثرة الاتفاقات هذه الفترة ومنح كلا المحتلين، قطاعات واستثمارات ذات عائد مضمون ودورة رأسمال سريعة، آخرها أمس، ثلاثة عقود تنقيب لشركات روسية، بالمنطقتين الوسطى والشرقية، بعد منحهم عقود الفوسفات و بلوكات بحرية بالمياه الاقليمية السورية، للتنقيب والاستخراج.
بالنهاية ولمن يهمه الأمر، جدير بالذكر نقاط عاجلة.
أولها أن أهلنا بالداخل من يدفعون فاتورة غباء وعمالة النظام، فيزداد فقرهم ومعاناتهم بواقع تثبيت الأجور عند عتبة 45 ألف ليرة، وزيادة انفاق الأسرة عن 225 ألف ليرة شهريا، لدرجة تعدي نسبة الفقر 75%.
ومعيشة السوريين طبعا، آخر هم نظام الممانعة، بل ربما يطرب ويتشفى للتفقير والتجويع وتزيد سلطته وسطوته.
وثاني النقاط أن العملة كما أي سلعة، يحدد سعرها أمام سلة العملات الرئيسية، أسباب عدة، اقتصادية وسياسية ونفسية. والأهم العرض والطلب.
وللعلم، يقدر حجم السيولة بالليرة السورية، بالأسواق والمصارف، بنحو 700 مليار ليرة، تصوروا هذا الرقم الهائل وعودوا لرقم الاحتياطي.
ثالث النقاط، أن ثمة فارق وكبير، بين أن تخسر الليرة 1200% من قيمتها وبين نسبة التضخم، فهذه الخسارة ليست نسبة التضخم، بل التضخم يحسب بمعادلة وطرائق مختلفة.
أشرت إلى هذه النقطة جراء الخلط خلال الأسئلة حول نسبة التضخم.
وآخر النقاط، لا أعتقد أن نظاماً مستبداً يؤثر العالم بقائه، كما نظام الأسد، يمكن أن يسقط من بوابة الاقتصاد، حتى ولو وصل سعر صرف الدولار ألف ليرة وجلس جميع سوريي الداخل-عدا آله وصحبه- أمام جامع بني أمية، يتسولون.
ولجهة استمرار تراجع سعر صرف الليرة، أقول وباختصار، وفق أية معايير اقتصادية، من المفترض أن يصل الدولار الواحد غدا إلى ألف ليرة، إذ لا محددات ولا ضمانات ولا أي شيء يبرر استمرار الليرة حتى اليوم بالتداول، بيد أن دولاً وقرارات سياسية، تؤثر عدم انهيار الليرة..
وأتوقع مزيداً من التدهور، مع قدوم فصل البرد وارتفاع فواتير استيراد النفط، التي تزيدها -الفواتير- تشديد الحصار هذه الفترة.
عذراً التعليقات مغلقة