* علا عباس
على الرغم من كل الأخبار التي تأتي من هناك على مدار الساعة، وعلى الرغم من الأحداث المتتالية منذ خمس سنوات، يمكن القول، بكل راحة، إن لا شيء في الشام، لا جديد يحصل هناك، ولا يوجد في الأفق أي فرصةٍ لحدوث جديد. ونتحدث، هنا، عن حدثٍ حقيقي، عن تغيير كبير، عن فرصة للوصول إلى نهايةٍ ما، على الأقل عن دلالةٍ لإمكانية حدوث هذه الفرصة، في لحظة ما.
منذ خمس سنوات، والأحداث تطحن المدن وحيوات البشر، لكنها تبدو مثل طاحونة تدور وتدور، ولا يهمها ما تلقيه فيها، المهم ألا تتوقف، ويمكنها كذلك أن تدور وهي فارغة، تصدر كثيراً من الجعجعة، من دون أن ينزل الطحين من الجهة الأخرى.
اشتدت، أخيراً، معركة حلب، فتقدّم النظام على بعض الجبهات، ثم تراجع في بعضها، هلل مؤيدوه لانتصاره الكبير، ثم صمتوا تماماً، وهو يتراجع عن “الانتصارات” التي حققها. وهكذا في مشهدٍ يتكرّر بشكل منتظم منذ خمس سنوات، من دون أن ينعكس أيٌّ من ذلك (التقدم والتراجع) على تغيير حقيقي في رأس المشهد، وبالتزامن مع معركة حلب، عاد النشاط إلى الدوائر الدبلوماسية، بعد أن مرّ بفترة جمود في أشهر الصيف، فعاد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ليعبر عن قلقه، وعاد المبعوث الأممي، دي ميستورا، ليحدّد مواعيد مفترضة لبدء المفاوضات السياسية، ومواعيد لنهايتها، وحتى مواعيد لنجاحها، وبدء عملية الانتقال السياسي، وعاد وزيرا الخارجية، الأميركي كيري والروسي لافروف، إلى تبادل المجاملات حيناً، والانتقادات حيناً آخر، وعاد المحللون والسياسيون إلى التقاط المعاني من هذه المجاملات وهذه الانتقادات. لكن، لكل ذلك نتيجة واحدة: لا شيء جديد يحصل في الشام.
صار مضجراً الحديث عن الجانب الإنساني، عن موت الناس وتدمير المدن وعن الفقر والجوع وانعدام سبل العيش، وحصار المناطق، صارت كلمات مبتذلة لا تعني أحداً، بل وربما تثير حفيظتهم، ولم يعد هناك أي معنى لأي كلام عن سورية، لا يشمل تغييراً سياسياً حقيقياً، تغييراً من أي نوع، المهم أن يكون حاسماً وحقيقياً، فالمستنقع الذي غاصت فيه الأزمة السورية يبدو بلا قاع، والسوريون هم من يسقطون في قاعه أكثر فأكثر، وكلما غاصوا أكثر ابتعدوا عن نظر العالم أكثر.
يلعب الأميركان والروس، مع بعضهما لعبة الشد والرخي، ولم يعد موضوع التجاذب موضوع الانتقال السياسي، ومصير بشار الأسد، بل انحصر حوارهم في التنسيق العسكري للعمليات الجوية التي يقوم بها كل منهما منفرداً، في الأجواء السورية، فاليوم يقولان إنهما يحققان تقدماً في مفاوضات التنسيق، وغداً يقولان إن مفاوضات التنسيق العسكري تمر بمنعطف خطر، قد ينسف جهود التنسيق، وقد تكرّر هذا الأمر، وصار مألوفاً إلى درجة أننا نسينا الموضوع الرئيسي الذي يفترض أننا ننتظره، ويفترض أنهما يتناقشان بشأنه، وهو العملية السياسية التي ستعني، حين تبدأ، أن هناك موعداً ما لنهاية هذه الحرب المجنونة.
في الشام، لا يحصل شيء جديد، مجرّد تآكل تدريجي لكل معاني الحياة، تراجع في الخدمات والدخل وتوافر المواد، زيادة في الجوع والموت، انتشار أوسع للشبيحة واللصوص والمجرمين، ضيق إضافي في سبل الحياة والحركة، انطفاء الأمل، وتغلغل اليأس. ولأن لا جديد يحصل هناك، بدأ ملايين السوريين الذين توزّعوا في العالم بناء حياتهم الجديدة، وبدأوا ينسون حياتهم السابقة، شيئاً فشيئاً، ينسون أحلامهم وطموحاتهم، وينتظرون إشارةً ما من لافروف أو كيري أو دي ميستورا، أو من سيخلف كل من هؤلاء في منصبه، ليعلقوا على هذه الإشارة، ويبدي فيها رأياً ما، وحتى هذه الرغبة بإبداء الرأي تتراجع شيئاً فشيئاً، وربما ستتلاشى تماماً قبل أن يحصل شيء حقيقي، يستحق الاهتمام.
تبدو معركة حلب اليوم تغييراً مهماً في مسار الأحداث. لكن، علمتنا تجربة السنوات الخمس الماضية أن هذه الأحداث، ومهما كانت كبيرة، لن يكون لها أثر حقيقي على المسار الرئيسي للأزمة السورية، وأن ذلك كله مجرد تفاصيل في ذلك المسار الطويل، وأنه من غير المسموح لأحد في سورية، لا النظام ولا الجيش الحر ولا الجماعات المتشددة، أن يحقق تقدماً ميدانياً مؤثراً، يمكن له أن يحدث تغييراً سياسياً حقيقياً، وأن على المشهد أن يبقى هكذا: كرّ وفر، تقدّم وتراجع، انتصارات صغيرة وهزائم صغيرة، وأن ما تريده القوى الكبرى فعلياً هو أن لا يحصل شيء في الشام.
* نقلاً عن: “العربي الجديد”
عذراً التعليقات مغلقة