صور الأطفال بملابسهم الجديدة وهم يحملون حقائب الظهر تملأ صفحات مواقع التواصل، فها هو موسم العودة إلى المدارس يعلن بدايته..
لكنني عاجزة عن الاحتفاء بقدوم العام الدراسي الجديد، وهناك عشرات الآلاف من الاطفال حرموا من الدراسة قسراً في منافي بلاد العرب أوطاني…
هذا الموسم -موسم العودة للمدارس- لكم أحببته.. طقوس استقبال الخريف، إخراج الصوبيا والسجاد والمعاطف الشتوية الجميلة.. والعودة لتنظيم النوم، تجليد الكتب، بري الأقلام، علب الألوان ورائحة الممحاة الجديدة..
لكنه اليوم أصبح كابوسا لبعض الأهل بسبب الوقوف ساعات أمام أبواب المدارس والوزارات للبحث عن قبول لتسجيل أطفالهم… مما يعني استقبال عام جديد دون أن يكون اسم ابنهم مسجلا في أحد الصفوف.. عام جديد يشعر بأنه نكرة ينتظر المزيد من الجهل واللاشيء…
أعرف جيدا ما هو شعورك حين يكون الطفل في المنزل محبطا يرتدي بيجامته ويتنقل بين غرف المنزل بينما يحمل أقرانه حقائب الظهر ويستمتعون بوجبة الإفطار مع رفاقهم.. فقد حرم أطفالي الثلاثة من الدراسة لسنوات طويلة..
أذكر جيدا إحساس الاستسلام بخيبة وعجز عند خروجي من مكتب مديرة المدرسة التي ضجرت من محاولاتي اقناعها بقبول ابنتي حين نهرتني بعصبية قائلة “لا يوجد قبول لابنتك.. اخرجي من مكتبي الآن”.. بحجة أن القوانين تقبل فقط من يحمل امتياز الانتماء لبلد أو جنسية معينة.. ولأن أطفالنا موصومون بلعنة كونهم سوريين ولاجئين.
آسفة من كل قلبي لكل عائلة يعاني ابناؤها ذل الإقصاء.. لكل عائلة يتراءى لها مستقبل ابنائها رمادياً حالكاً تحفه غياهب الضياع والبطالة..
آسفة لأنهم يظنون أن التعليم رفاهية يدفعون ثمنها وليس حقا من حقوق كل طفل على هذا الكوكب المقيت…
آسفة لأن أطفالكم يشعرون أنهم مجرد متفرجين في حفلة تنكرية داخل ميادين التنافس بالمؤهلات والمزايا والمهارات والأوراق المصدقة..
أطفالكم يتفرجون ويصفقون بينما يتركون الآخرين يركلونهم ويسخرون منهم..
أطفالكم تتملكهم مشاعر الخزي والعار بينما يقومون بوأد أحلامهم بصمت؛ موقنين بأنهم لا يستحقون فرصة ولا يمتلكون شيئا لتقديمه…
أطفالكم سيصيرون، سيرسمون، سيكتبون، سيحلمون، سينجزون وينجحون رغما عن الجميع.. لكن ماتمرون به هو جزء من حكاية سيرويها أبناؤكم لأحفادكم يوماً ما.. حكاية اسمها ذل اللجوء….
لا تسمحوا لهم بأن يسلبوا منكم حقكم بأن تعيشوا حياتكم بكل ما أوتيتم من شغف واندفاع.. يوما ما ستتغير قوانين اللعبة يا صغاري..
أقبل عيونكم الغافية التي لا تنتظر منبه المدرسة الصباحي في الصباحات الكسولة التي تهب فيها رياح الخواء فوق وسائدكم..
المستقبل يا أحبتي سيكون لكم، رغماً عن حربهم المعلنة عليكم، و رغماً عن أبوابهم المقفلة في وجوهكم بكل أشكالها و أقفالها.. أطفالكم من سيعجنون المعجزات.. رغماً عن محاولات حرمانهم من أرغفة الخبز والعلم والأمان.
عذراً التعليقات مغلقة