الحج ثورة

مجدي شلش10 أغسطس 2019آخر تحديث :
مجدي شلش

مقاصد الحج الكبرى طهارة النفس من الشح والبخل ببذل المال الحلال لأداء فريضة الله، والخروج من الفردية محدودة الهدف والعطاء إلى الأممية والعالمية التي تصون العالم من شر الأشرار وكيد الفجار، وتبني حضارة حقيقية واسعة الفكرة، وتقدم وازدهار الأوطان.

الحج موطن الفكرة وموضع التعارف عليها في أشرف زمان ومكان. تظهر فيه كرامة الإنسان وحريته واختياره حيث الرب الواحد والأصل الواحد لآدم، وآدم من تراب، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح. لا نسب ولا شرف ولا كرامة لمحترفي النصب بالنسب والجاه والسلطان والمال.

الحج خروج عن المألوف في الملبس والمسكن والمأكل والهيئة، حيث اللباس الواحد، والكعبة الواحدة والتلبية المكررة والمناسك المطهرة.

أظهر مقاصد الحج عالمية المبدأ والقيمة قبل عالمية اللون والجنس والقبيلة، حيث كل ربا موضوع تحت الأقدام، حيث لا ابتزاز ولا سحت ولا إهانة للإنسان.

الحج ثورة على النفس الأمارة بالسوء حيث “…لا رفث ولا فسوق ولاجدال …”، والعودة بها كيوم ولدتها أمها طاهرة نقية من كل دنس وقذارة.

الحج ثورة على الظلم والطغيان، وخروج عن قمامة الآلهة والأصنام، وارتفاع بالإنسان بدوام ذكر الله الواحد الأحد الفرد الصمد، القهار لكل باغي ومتكبر “فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً”، فمن ذكر الله خشع، ومن دوام عليه خرج عن الفساد وارتفع، وإنما شرع الحج لإقامة ذكر الله الواحد الأحد.

الثورة في أبسط معانيها قلع للفساد من جذوره، وطهارة للمجتمع من شياطينه، وكرامة للإنسان من المحسوبية والرشوة، وحرية فى الاختيار بلا تزييف أو تزوير أو تلفيق.

كذا الحج، أيام معدوات يثور الإنسان فيها على طاغوت النفس والآنا والهوى، ويتفق الناس جميعاً على وحدة الهدف والتوجه والعدو.

الناس في الحج يرجمون الشيطان أس الفساد ورأس الشر، وهكذا الثوار يعملون لرجم الثورة المضادة وشياطينها الذين أفسدوا البلاد والعباد.

قمة الحج في ثورته في قلع الذنوب وطهارة القلوب والأبدان في يوم عرفة، حيث المكان الواحد الطاهر، والزمن الواحد الشريف، والرب الكريم المتجلي لعباده بالرحمة والمغفرة.

صورة ثورية جامعة تخشع لها القلوب والأفئدة، وعقلية ذهنية متفرغة لطلب العفو والصفح عما فات من خلل وخطل وخطأ، حيث لكل ثورة أخطاء، وخير الخطائين التوابون.

الحج والثورة يشتركان في قوة الصف بوحدته، ومتانة الخلق بسعته، ورحابة الحركة بمرونتها، وطواف حول القيمة بعدالتها، وسعي بالهدف بصفائه ومروءته، وتحطيم للأعداء بالركل والرجم والبعد والطرد.

ثورتنا طريقها مبرور، وسعيها مشكور، وزللها العفوي مغفور، وجهدها في جلب السعادة والسرور للوطن كبير ومحفوظ، كل ذلك لمن استطاع إليه سبيلا.

الحج قصد بيت الله الحرام لأداء ركن من أركان الإسلام، والثورة قصد طهارة الأوطان وحفظها من الفساد والطغيان، وعلوها بالبناء والتقدم والازدهار.

الحج فيه خلوص النية بالإحرام من الميقات، والثورة نية وعمل وشجاعة وإقدام، ميقاتها الهدف المشترك، وإحرامها من قلوب النساء والشباب والشيوخ والصبيان.

الحج وإن تعددت فيه الأركان فالقبلة في النهاية واحدة، والثورة وإن كثرت فيها الهيئات والتوجهات فالمشتركات ثابتة.

هدف الحج الأول جمع الأمة في زمان ومكان واحد على هدف ورؤية واحدة، وهدف الثوار الأول كسر الانقلاب وعودة المسار الشرعي، واستشراف مسقبل واعد لوطن جامع لكل مفرداته وشرائحه.

هيا يا ثوار فلنأخذ من الحج برمزيته معاني ثورتنا، ومن قدسيته وطهارته نقاء وطهارة وجمع صفوفنا.

عرفة ثورتنا لا مصالحة مع الخائن الكاذب، وعمل دائب لكسر الجمود والاختلاف والفرقة، وصلابة في الحق ورسوخ فيه بلا هوادة أو ملل أو كلل، ورؤية واضحة وهدف جامع مانع.

عيدنا الأكبر يوم تنتصر ثورتنا ونهلل ونكبر، بعد تضحية عزيزة بكل ما نملك، لا ثورة بلا جهد، ولا انتصار بلا كفاح، وغداً سيأتي العيد بالسرور، وتزغرد أمهات الشهداء تعلو وجوههن البهجة والفرحة.

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل