يوميات مستشفى ميداني -10- قصة نازفة جداً

فريق التحرير6 أغسطس 2016آخر تحديث :
يوميات مستشفى ميداني -10- قصة نازفة جداً

feras.allawi* فراس علاوي
ديرالزور .. المدينة التي قسمها نظام الأسد وحاصرها وقطع عنها شريان الحياة ليصبح عبور نهر الفرات هو الطريق الوحيد لدخول الريف المحرر رغم استهداف مدفعيته وطائراته لكل شيء يتحرك
صباح ذلك اليوم كان بسام داخل منزله يحدث أمه التي بقيت معه في منزلها في المدينة ولم ترض الخروج منه عن ذكرياته وأنه قرر الزواج، وقال لها ممازحاً: قررت الزواج لتأتي كنتك تساعدك في أمور المنزل بعدما تركك كل اخوتي.
اخوته الذين توزعوا في بقاع الأرض أقربهم إليها كان الدكتور أبو عمار ابنها الذي نذر نفسه للعمل وإنقاذ المصابين خاصة أن اختصاصه النادر كان يجبره أخلاقيا وإنسانيا على البقاء، وهو الطبيب الانسان، لكنه اضطر للانتقال للمناطق المحررة من الريف حيث الاصابات أكثر ومجال العمل أكبر.
صوت الطائرة في السماء.. وبدأت أصوات الإنفجارات تصم الآذان، صعد بسام إلى السطح مسرعاً ليرى مكان الانفجار، فقد بدا قريباً وكأنه في الشارع الخلفي لبيتهم، في تلك اللحظة كان الطيار يستهدف منزلهم بصاروخ من طائرته.
لم تكن الإصابة مباشرة، فقد سقط الصاروخ بعيداً لكن شظية منه استقرت في رأس بسام الذي تأخر بالنزول لتصعد والدته وتجده مضرجاً بالدماء، لم تكن صيحاتها كافية لإيقاظه، فقد كانت إصابته صعبة، الشظية اخترقت رأسه واستقرت فيه.
لم يكن باستطاعة النقطة الميدانية في حيه تقديم أي عون له سوى ضمادة، فتم نقله تحت القصف ومن قبل جيرانه إلى المستشفى الميداني في المدينة، التي لم يكن فيها طبيب جراحة عصبية فتقرر نقله إلى مستشفى موحسن الميداني لتقديم العلاج له ريثما يصل أخوه، طبيب الجراحة العصبية.
كان نقل المصاب يحتاج إلى معجزة حقيقية، حيث لا طريق سوى نهر الفرات للعبور إلى الضفة الأخرى، حيث تنتظره سيارة الاسعاف، استمر نقله عبر النهر وعن طريق سفينة بسيطة الصنع ذات مجذافين خشبيين أكثر من ساعتين، المريض خلالها يعاني من إصابة صعبة، لو كانت في بلد متقدم لاحتاجت إلى طائرة إسعاف.

على الجانب الاخر كان طاقم الاسعاف يقف متأهباً رغم إمكانية استهدافه من قبل طائرات النظام ومروحياته، لكنهم رجال آمنوا بواجبهم، تم وضع سيارة الاسعاف تحت إحدى الأشجار ومراقبة الشاطيء لحين وصول المصاب الذي وصل بحالة صعبة.

تم نقله من خلالها مباشرة إلى المستشفى، وتم التنبيبه، أي إدخال أنبوب تهوية الى رئتيه، ومن ثم تقديم بعض الاسعافات الأولية ونقله إلى حيث كان أخوه بانتظاره.
كانت لحظات صعبة على الأخ الطبيب حين شاهد أخاه مضرجاً بدمائه وعيناه مفتوحتان تطلبان العون.
صورة الطبقي المحوري أظهرت أن الشظية لاتزال مستقرة في الدماغ، وأن حجمها كبير على حساب مجمل المادة الدماغية، عندها تيقن أبو عمار وهو الأخصائي بهكذا أمور أن أخاه يصارع الموت وينتظر مصيره المحتوم.
عاد به إلى العناية المشددة ليوضع على التنفس الصناعي يصارع الموت، وأخوه بجانبه لا يستطيع أن يقدم له أي مساعدة سوى الدعاء له والنظر في عينيه.
خلال وجوده في المشفى بدأت الإصابات بالوصول من ضمنها إصابة عصبية كان لابد من القيام بعمل جراحي مستعجل، عندها
لبس أبو عمار لباس العمليات وبدأ بالعمل في غرفة العمليات تاركاً أخاه في العناية المشددة، ليصل خبر وفاته من عناصر المتشفى.
لم يكن أمام أبو عمار خياراً آخر.. فقد قرر الاستمرار بالعمل الجراحي، فحياة المصاب التي بين يديه لا تحتمل أن يتركها، ثم إن أخاه قد غادر الحياة، فليس هناك ما يستطيع تقديمه له سوى الدعاء له بالرحمة، وبالفعل استمر بالعمل حتى انتهت العملية ليعود إلى جثة أخيه يودعه ويقبله.
أي قلوب تلك التي يحملون!! وأي عاطفة تسع الكون بين جوانحهم وتسكن قلوبهم!!
إنهم الإنسانيون في زمن موت الإنسانية!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل