في 22 حزيران/يونيو، أعلن مكتب حاكم (والي) مدينة اسطنبول علي يرليكايا أنه سيتعيّن على المواطنين السوريين غير المسجلين في إسطنبول مغادرة المدينة بحلول 20 آب/أغسطس. ولم تعد المنطقة تستقبل أي طلبات تسجيل إضافية لهؤلاء المواطنين الذين يقطن نصف مليون من بينهم في مدينة إسطنبول وحدها. ويبرز هذا الإعلان، الصادر عن مكتب مسؤول عيّنته الحكومة المركزية، التوترات السياسية المتزايدة في البلاد بشأن مسألة اللاجئين.
معارضة الأغلبية للوجود السوري
وفقاً لـ “المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، تستضيف تركيا حالياً 3,614,108 سورياً. ويشكّل هذا العدد ما يقرب من ثلثيْ كامل مجتمع اللاجئين السوريين في جميع أنحاء العالم، وزيادة بنسبة 4.4 في المائة على سكان تركيا الذي بلغ عددهم 82 مليون نسمة في عام 2018. وعموماً، اهتمت الحكومة بهؤلاء اللاجئين مستخدمةً مواردها الخاصة، مع بعض المساعدة من الاتحاد الأوروبي.
ويتزامن قرار والي إسطنبول مع استياء شعبي متزايد إزاء هؤلاء السوريين الذين لا تعترف الحكومة المركزية بهم رسمياً كلاجئين، بل تصنّفهم بدلاً من ذلك على أنهم مشمولون “بنظام الحماية المؤقتة”. وفي استطلاع للرأي أُجري في وقت سابق من هذا العام، عبّر 68 في المائة من المستطلعين الأتراك عن عدم رضاهم من الوجود السوري، مقابل 58 في المائة في عام 2016.
وينقسم الأتراك بشدة حول العديد من القضايا، حيث يميل قسم إلى معارضة سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان في حين يدعمه قسم متساوي الحجم بقوة. لكن عدم الرضا عن قرار الترحيب باللاجئين السوريين منذ عام 2011 يشكّل استثناء نادراً لهذه القاعدة، مما يثير انتقادات الأغلبية في صفوف الأحزاب. ويعبّر نحو 60 في المائة من مؤيدي «حزب العدالة والتنمية» الحاكم الذي ينتمي إليه أردوغان عن استيائهم من الوجود السوري، إلى جانب 64 في المائة من حليفه «حزب الحركة القومية»؛ ومن جهة المعارضة، تبلغ النسبة 62 في المائة من «حزب الخير» (“الحزب الجيد” )(“إيي”) و71 في المائة من «حزب ديمقراطية الشعوب» و83 في المائة من «حزب الشعب الجمهوري».
التأثير الديموغرافي
يمثّل وصول اللاجئين السوريين التحوّل الديمغرافي الأهم في تركيا منذ “التبادل السكاني” مع اليونان في عشرينيات القرن الماضي. ووفقاً للأرقام التركية الرسمية، بقي حوالى 100,000 منهم فقط في المخيمات؛ في حين استقرت الغالبية العظمى في مدن وبلدات مختلطةً مع الشريحة الأوسع من السكان. ويتركّز معظمهم (3.2 مليون أو 88 في المائة) في أربع عشرة محافظة من أصل واحد وثمانين محافظة تركية: وخاصة، محافظات غازي عنتاب وهاتاي وكيليس وماردين وسانليورفا الحدودية مع سوريا؛ والمحافظات الجنوبية القريبة من أضنة ومرسين وكهرمان ماراس؛ ومحافظات أنقرة وبورصة واسطنبول وإزمير وقيصري وقونية الأكبر من الناحيتين الديمغرافية والاقتصادية.
وتضمّ إسطنبول العدد الأكبر – 547,479 أو نحو 4 في المائة من عدد سكان المحافظة في عام 2018. ومع ذلك، يُعتبر التأثير السكاني على المحافظات الجنوبية الأصغر حجماً في البلاد أكثر أهمية. فالسوريون يشكّلون 27 في المائة من عدد السكان في هاتاي، و 22 في المائة في غازي عنتاب، و21 في المائة في سانليورفا، ونسبة ضخمة في كيليس قدرها 81 في المائة.
التحديات الاقتصادية للدمج في المجتمع
على الرغم من أن هؤلاء السوريين “المحميين” يتمتعون بالخدمات العامة الأساسية على غرار الرعاية الصحية والتعليم، إلا أن وضعهم المؤقت لا يسمح لهم بالعمل بشكل قانوني في تركيا. ولطالما كانت أنقرة تأمل في أن يعودوا ذات يوم إلى سوريا، وبالتالي امتنعت عن اتخاذ خطوات قد تساعدهم في أن يصبحوا مقيمين بصفة دائمة. ويتمّ تشجيع السوريين على التقدم بطلب للحصول على تصاريح إقامة والعمل في وظيفة قانونية، لكن المتطلبات والقيود البيروقراطية المرافقة تجعل ذلك صعباً للغاية. وحتى الآن، تمّ منح ما يقرب من 200 ألف لاجئ فقط تصاريح الجنسية أو الإقامة أو العمل، التي تتيح لهم التوظيف بشكل قانوني.
وبالتالي، لجأ العديد من اللاجئين في سن العمل البالغ عددهم 2.1 مليون لاجئ إلى وظائف غير رسمية وغير نظامية، وعادة ما يكون ذلك بأجر ضئيل للغاية أقل بكثير من الحدّ الأدنى المعتمد للأجور في تركيا. ووفقاً لدراسة أجراها “معهد بروكينغز” في تموز/يوليو، لا يزال ما بين 500،000 ومليون سوري يشغلون وظائف غير رسمية رغم ظروف العمل السيئة والاستغلال المستشري، ومعظمهم في قطاعات النسيج والخدمات والبناء والتعليم.
وفي العام الماضي، وجد “معهد اقتصاديات العمل” الذي مقره في ألمانيا أن هذا التدفق للعمال السوريين لم يساهم في تقليص الأجور خارج قطاع العمل غير الرسمي وقطاع العمل بدوام جزئي في تركيا. ومع ذلك، يعتقد الكثير من المواطنين أن السوريين هم السبب وراء ارتفاع البطالة وانخفاض الأجور في كافة القطاعات. وبلغت البطالة 14 في المائة خلال آذار/مارس، مقارنة بـ 9 في المائة عام 2011. وبعبارة أخرى، تضاعف عدد الأتراك العاطلين عن العمل تقريباً إلى 4.5 مليون شخص منذ أن بدأت الحكومة تستقبل اللاجئين السوريين.
وفي الموازاة، أدّى الارتفاع الحاد في أسعار المستهلك إلى زيادة ملحوظة في تكلفة المعيشة للمواطنين المتوسطي الدخل. واستقر التضخم دون 20 في المائة بقليل خلال آذار/مارس بعد أن وصل إلى مستوى قياسي بلغ 25 في المائة العام الماضي، ولم تعوّض زيادة الأجور عن ارتفاع الأسعار. ويزداد شعور بعض المواطنين على الأقل الذين تضررت إيراداتهم بشدة، بأن الإعانات الضئيلة البالغة 120 ليرة (20 دولاراً أمريكياً) شهرياً في شكل مساعدات تُقدم إلى الأسر السورية المسجلة، هي بمثابة معاملة غير منصفة بشكل متزايد، ولا سيما بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون على نحو خاطئ أن هذه المساعدة وغيرها من البرامج التي يتم رصد مبالغها من الاتحاد الأوروبي يتم تمويلها من قبل دافعي الضرائب الأتراك. ووفقاً لتقرير صادر عن موقع “المونيتور” في تموز/يوليو، يدّعي بعض السكان المحليين أن السوريين يحصلون على مزايا اقتصادية غير عادلة إذ يمكنهم أن يفتحوا محلات غير مرخصة، ولأنهم لا يخضعون للمتطلبات الضريبية المفروضة على المواطنين.
التوتر المتزايد
يتمّ أيضاً تحميل الوجود السوري مسؤولية العديد من المشاكل الاجتماعية التي تشهدها تركيا. وقد ساهم قادة الرأي الناشئون بشكل كبير، والذين لديهم قاعدة كبيرة من الأتباع عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تطبيع المواقف المعادية لسوريا. وكان سنان أوغان، النائب المفصول عن «حزب الحركة القومية» الذي لديه أكثر من مليون متابع على “تويتر”، قد حصد آلاف التفاعلات مع تعليق نشره في تموز/يوليو زعم بموجبه أن لاجئين سوريين وأفغان يغتصبون نساء وفتيان، وأن “قطع الرؤوس” هو جزء من الثقافة السورية. وعلى نحو مماثل، زعم الصحفي المعارض المشهور يلماز أوزديل في مقال نشره مؤخراً بأن السوريين “يغزون” إسطنبول “شارعاً بشارع”، متسببين باضطرابات ومرغمين الأتراك على الخروج من أحيائهم. كما اتهمهم بإنشاء محلات غير قانونية، وتشكيل عصابات، وتكديس أدوية لا تباع إلا بوصفة طبية، مدعياً أن “السوريين أحرار في ارتكاب الجرائم”.
ومع ذلك، تشير الإحصاءات الرسمية التي استشهدت بها “يورونيوز” إلى أن السوريين تورطوا فقط في 853 جريمة من أصل 32,553 حادث إجرامي في إسطنبول العام الماضي. بعبارة أخرى، شهدت المدينة 153 حادثة لكل 100،000 سوري، أي أقل بكثير من الحوادث التي بلغ عددها 210 لكل 100،000 ألف تركي.
وعلى الرغم من هذه الأرقام، أسفر التحريض الواسع النطاق عن حلقة خطيرة من الكراهية عبر الإنترنت أدّت إلى أعمال عنف على الأرض. وغالباً ما تنشر الحسابات الشائعة تعليقات مماثلة تحمل علامة التصنيف (هاشتاغ) #SuriyelilerDefoluyor (“فليخرج السوريون”). وكثيراً ما تنشر الحسابات التي تملكها شخصيات عامة أو أفراد مجهولو الهوية قصصاً مزيفة عن سوريين يُقدمون على التحرش بمواطنين أتراك واغتصابهم وحتى قتلهم.
وقد لجأ بعض مستخدمي هذا المحتوى إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم وتنفيذ أعمال عنف ضد السوريين، حيث تطورت بشكل متزايد الاعتداءات ضد لاجئين أفراد إلى أعمال عنف جماعية. فعلى سبيل المثال، تحوّل جدال بين مقيمين ولاجئين في إسطنبول خلال شباط/فبراير الماضي إلى اشتباكات واسعة النطاق. وفي 29 تموز/يوليو، اعتدى العشرات من مطبقي القانون الذاتيين على محلات سورية في حي كوتشوك شكمجة في إسطنبول بعد اتهام رجل سوري زوراً بالتحرش بفتاة صغيرة.
الخاتمة
يبدو أن الشعور المتنامي المعادي للسوريين في تركيا هو أحد العوامل العديدة التي تقوّض الدعم الشعبي للرئيس أردوغان، حتى إلى درجة أنه نجح في توحيد الكتلتين الموالية والمعارضة لأردوغان. وإذ إنه يدرك جيداً هذا الاتجاه، يبذل أردوغان قصارى جهده لإعادة أكبر عدد ممكن من اللاجئين إلى سوريا. وقد نقلت الحكومة أساساً مئات الآلاف من اللاجئين إلى جيوب خاضعة للسيطرة التركية في شمال غرب سوريا. وساعياً إلى تعزيز هذا النموذج، كان أردوغان يحث واشنطن على إنشاء “منطقة آمنة” مشتركة شمال شرق سوريا وإعادة المزيد من اللاجئين إليها. وقد يكون حتى على استعداد لإبرام مساومة كبيرة مع نظام الأسد، معترفاً به كالحكومة الشرعية في سوريا مقابل سماح دمشق للاجئين بالعودة إلى ديارهم. وعلى الأقل، قد يطلب أن تُبقي تركيا سيطرتها على جيوبها في شمال سوريا من أجل تسهيل عودة المزيد من اللاجئين.
- سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب المرتقب “إمبراطورية أردوغان: تركيا وسياسة الشرق الأوسط”.
دنيز يوكسل هي مساعدة باحثة في المعهد.
ويود الإثنان أن يشكرا مساعد الباحث يغيز سولّو على مساعدته في البحث في كتابة هذا الرصد السياسي.
عذراً التعليقات مغلقة