من هرقل عظيم الروم إلى أردوغان عبدالله خادم المسلمين: (أسلمنا وآمنا).
وصلنا أن سلطاتكم ورجال دولتكم يقومون بترحيل السوريين من بلادكم!
وأنهم لا يتوانون عن إهانتهم وضربهم بعد اعتقالهم وتقييدهم!
وهذا أمر لا ترضاه شريعتنا ولا قوانيننا الوضعية!
وتفاجأنا عندما اطلعنا على جوهر شريعتكم بأنها تحث أتباعها على احترام الإنسان وتكريمه والرفع من شأنه! وأنها تدعو لإغاثة الملهوف ونصرة المستضعفين والأخذ بأيديهم إلى بر الأمان والسلام.
وقد وردنا تقريرات كثيرة موثقة بصوتكم وصوركم وكلها تؤكد بأنكم تحرصون على تطبيق مقاصد الشريعة وأهدافها،
كما وردنا بأنكم قد فتحتم بلادكم كملجأ للمظلومين من البلاد عامة! وأنكم لن تسمحوا بأن يهان عزيز قومه أو فقيره ما دامه على أرضكم، بل وصلنا أكثر من ذلك؛ بأنكم تبذلون جهوداً مباركة في أصقاع البلاد للدفاع عن المظلومين!
وبعد متابعتنا وتدقيقنا الحثيث في سبيل المقارنة بين شريعتنا وشريعتكم فقد وجدنا بأننا لا نختلف إلا في طريقة التعامل وأساليب التطبيق.
ولقد تأكدنا بأم أعيننا بأن ما قمتم به إلى الآن يعد تطبيقاً سليماً لمقاصد الشريعة،ولكن: في الفترة الأخيرة وجدنا أن تطبيقنا لشريعتنا كان أكثر دقة وتواؤماً مع ما نعلن عنه بالمقارنة بما أعلنتم عنه في بلادكم!
فنحن لا نطرد المظلوم حتى وإن ارتكب جرماً أو فعلاً شائن، بينما نحيله إلى القضاء والمحاكمة حتى ننصفه ونتيح له المجال لكي يدافع عن نفسه! فإذا حكمت عليه المحكمة بأنه مذنب، فإننا وبعد تنفيذه الحكم نعيد إليه حريته ونقدم له الدعم النفسي لكي يتعافى من مشاكله! ونقدم له ولذويه ولكل من قصدنا هارباً من سوء المعاملة في بلاده، نقدم لهم دعماً مادياً شهرياً يكفيهم قوت يومهم، إضافة إلى المسكن والعلاج!
ومع أننا تمعنّا بتصريحاتكم المتتالية التي وجهتموها إلى اللاجئين الذين قصدوكم، ومع أنكم قدمتم لهم مالم يقدمه أحد من الأقران، إلا أن الأخبار الأخيرة تعاكس ما قيل من قبلكم! وهذا ما لا نتمنى أن نسمعه أو نراه حفاظاً على سمعة شريعتكم ومقاصدها!
فاعتقال اللاجئ وضربه وإهانته وترحيله إلى بلده التي تعد منطقة غير آمنة، وتفريق وتشتيت عائلته لا يليق بمقاصد شريعتكم الغراء، ولا بزعيمها في هذا العصر.
لذلك ومن مكاننا نوجه إليكم دعوة رسمية، بكل تقدير واحترام لشخصكم الكريم بأن تعودوا إلى روح الشريعة وأن لا تنسوا الفضل بينكم، وأن تنصفوا المظلوم الذي لا سند له ولا عضد، وأن تحاسبوا رجالكم الذين خالفوا تعاليم شريعتكم وعرضوا اللاجئين السوريين الى الضرب والإهانة أثناء اقتيادهم في فترة الترحيل، وأن تنظروا بعين الرحمة لمن وكلكم الله على حكمهم، وأن تتذكروا قول الله في كتابكم القرآن الكريم:
(وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ).
وإننا والله لنخشى أن يصيبكم كما حدثكم ربكم بكتابكم بقوله:
(مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
وحرصاً منا على تطبيق مقاصد شريعتنا وشريعتكم فإن التناصح بيننا واجب، لذلك نذكركم بقول الله عز وجل في كتابكم القرآن الكريم:
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
وبما أنكم من أولي الفضل والفعل القويم فإننا نذكركم أيضاً بأن ما يقوم به (بعض) رجالكم من الشرطة المعنيين في التفتيش والترحيل يندرج تحت بند الفساد في الأرض بسبب طريقة تنفيذهم للأوامر أو لاجتهاد منهم نابع عن سوء تقديرهم للإنسان أي كان جنسه وطبيعته، لذا فإننا نورد لكم بعض الآيات من كتابكم الذي تقدسونه لعل الذكرى تنفع المؤمنين، قال تعالى:
(فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِين).
ونحن على يقين تام بأنكم لا ترضون، بل تحاربون الفساد والظلم، وتقفون بوجه كلا ظلام عنيد، وقد شهدنا ذلك في ميادينكم في الحروب البينة بيننا وبينكم، وللإنصاف وبعد هزائمنا المتتالية أمامكم فإننا اليوم لا نرضى لكم أن تتغير صورتكم بأعيننا، ولا مقامكم في قلوبنا التي أجبرت على حبكم وإحترامكم بسبب مواقفكم المشرفة أمام العالم أجمعين
وإننا رأينا المعنى الحقيقي لأعمالكم الصالحة مثبت في قوله تعالى:
(إلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
ونخشى أن تكونوا ممن ظلموا وهم لا يعلمون.
فدينكم يدعوكم للإمتثال لكلام الله وما أمر به، وينهاكم عن مخالفته حتى لا تصيبكم بعد ذلك ما لا يتمناه عدو لعدوه.
هذا وفي ختام رسالتي التي أتمنى أن تصل إلى قلبكم قبل سمعكم وبصركم، فإني أوجه إليكم طلبي الأخير:
إن وجدتم حرجاً أو مسكم الضيق وحملتم ما لا تستطيعون حمله بسبب كثرة اللاجئين، أو لأي عذر آخر، فإنني ومن مكانتي في روما أعلن عن رغبتي باستقبال اللاجئين السوريين حصراً دون غيرهم في بلادي، فهم شعب يحمل صفات نادرة مليئة بالحيوية والنشاط، وقادرون على أن يحيوا المكان الذي ينزلون به، وقد شهدنا على ذلك في بلادنا وبلادكم حيث رأيناهم يفتحون المعامل والمصانع والمنشآت التجارية والصناعية والمنظمات الفاعلة في كل ركن من بلادنا وبلادكم، وقد أغنوا إقتصادنا وثقافتنا بشكل ملحوظ، وهم مكسب لكل بلد يدخلونها لأنهم عفيفي النفس وأصحاب مواقف رجولية ولا يخشون في الحق لومة لائم.
تقبلوا مني هذا الكتاب الموجه إلى شخصكم الكريم.
وأختم بحديث شريف لنبي المسلمين يقول فيه:
مَنْ فَرَّجَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدِ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ فِي الدُّنْيَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
التوقيع: هرقل عظيم الروم
عذراً التعليقات مغلقة