نحن اللاجئون تعرّضنا لكمية كبيرةٍ من النصائح. نُسأل عن لحم الخنزير بشكلٍ مباغتٍ في السهرات لحظةٍ السكب، في سؤالٍ، أيّ جوابٍ له، سيمكنّه من تخمين نوع ربّك. إن لم تأكل: أنت مسلم، وإن أكلت: فأنت مسيحي!
في الصحف، إرشاداتٌ ألا نطعج بأجسادنا حديد السيارات المارّة وسط الشارع، كما كنّا نفعل في الريف. استخلص الآخرون دروسًا منّا، وصار مصيرنا عبرةً لمن لا يعتبر.
لكثرة حقائبنا، صارت تتسع لكل أشياء العالم، علمًا أننا أقلّ الناس في العالم امتلاكًا للأشياء. نحن أكثر من يعرف القليل الخفيف الضروريّ للحياة. يُشكَر من يتقن لغاتهم منّا، وتُمدَح كل امرأةٍ غير محجبة.
يُجمَع كُتّابنا في كتبٍ نحاور أنفسنا فيها، ونصوصنا بلغاتهم تشبه الخضرة المفرّزة. يطلب منّا أن نكتب عن “تجاربنا” بينهم، مع أننا لم نقرأ نصّاً عن تجاربهم، ونحن بينهم. هوّيتنا الجامعة الوحيدة الباقية، كابوسٌ ليليّ مشترك، نرى أنفسنا فيه وقد عدنا وصرنا في السجون.
نحن فرائس طلبة الدكتوراه في الغرب الذين يطبعون كتباً باهتةً حولنا، لا يقرأها أحد، وتبدو صورنا وسيرنا فيها، كقصص من ماتوا.
بين بعضنا، نحتقر الحنين، خوفًا من خسارة “العمق” واتهام البساطة. صرت لا تصلح للعودة، ولا تصلح للبقاء، يا أكثر شعبٍ نسخ مفاتيح بيوتٍ في التاريخ.
أما أكثرنا تأثّراً وعزلة، يقول الجملة النفسيّة المضطربة المشهورة: “ما عندي رفقات سوريين، كلّن ألمان”.
Sorry Comments are closed