بعد أن مُنيَت قوات الاحتلال الروسي وحلفاؤها بخسائر متتالية في ريف حماة وإدلب؛ تضعضعت ثقة هذه المليشيات بنفسها، كما فقدت القيادة العسكرية الروسية الأمل بسلاحها الجوي المتفوق، وقد بدا ذلك واضحا في استقدام أسلحة روسية مختلفة واعتماد فرق قتالية جديدة على الجبهات، واستغنائهم عن خدمات الفيلق الخامس الذي تفتت على صخرة الجيش الحر.
إن قيادة الاحتلال الروسي تبحث اليوم عن أرض جديدة تعيد فيها الروح القتالية لعملائها، الذين لم تمكنهم كل تجهيزات الترسانة الروسية المتقدمة من التقدم خطوة جديدة في ريف حماة وإدلب، بل أصيبوا بالإحباط نتيجة مشاهدة المئات من رفقاء العمالة والسرقة والتشويل يتساقطون قتلى وجرحى على يد الجيش الحر وضرباته المركزة.
فيما يبدو أن الأرض الجديدة التي يفكر فيها الروس هي ريف حلب الشمالي والشرقي، وهي جاهزة اجتماعيا وعسكريا وأمنيا للسقوط جزئيا في يد الروس ومواليهم كما سنرى في السطور التالية.
كما أن تحركات الاحتلال الإيراني وتنقلاته تشير إلى أنه قد يكون المكلف بقيادة هذه المعركة بالاشتراك مع مليشيات الأسد الطائفية مقابل تمليكه كل الأراضي التي سينتزعها من الجيش الحر في القرى والمدن القريبة لمدينة نبل، أو في جهة الباب التي يعتبرها الإيرانيون ملكية خاصة لهم باعتبار ما ترويه كتب التاريخ عن كونها مدينة شيعية في حقبة تاريخية ما.
مقدمات الحملة العسكرية:
تفجيرات مجهولة عدة ضربت الريف الشمالي والشرقي في حلب في إعزاز والباب وعدة قرى أخرى في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وهي كل يوم في ازدياد مضطرد، وهذا يشبه إلى درجة كبيرة ما حدث في إدلب قبل أن يقوم الروس والنظام بحملتهم الأخيرة فيها، وما قاموا به في مناطق أخرى مختلفة.
إن من عادة نظام الأسد أن يحرك خلاياه النائمة وجواسيسه في المنطقةِ المستهدفة؛ لتقوم بدور تمهيدي لا يقل أهمية عن الطيران الروسي، ويتمثل عمل هذه الخلايا بالتالي:
أولا: القيام بتفجيرات تنشر رائحة الدم والبارود في كل مكان بما يُدخل المنطقة بحالة من البؤس والتشاؤم وفقدان الأمل بقدرة الجيش الحر على ضبط الأمور والسيطرة على زمامها.
ثانيا: اغتيال قيادات وعناصر في الجيش الحر بغية بث الفتنة في صفوفه، وإضعاف قدرته على المقاومة.
ثالثا: وهنا يأتي دور الذباب الإلكتروني التابع لنظام الأسد في بث الفتن وتخويف الناس والطعن في قيادات المناطق المحررة مستغلة حالة الاستياء العامة.
رابعا: في المرحلة الأخيرة يأتي دور دعاة المصالحة، حيث يبدؤون باستغلال الأوضاع لإقناع الناس بعدم قدرة الجيش الحر على المواجهة، ووجوب تحكيم المنطق والعقل بالتسليم لنظام الأسد قبل أن يدمر الأخضر واليابس حرصا على أرواح الناس -بحسبهم- كما سيقومون بتقديم أنفسهم كوسطاء لمن يرغب بتسليم السلاح.
بهذه الخطوات تتكسر قوى المقاومة في المناطق المحررة وتكون جاهزة لاستقبال المليشيات الروسية والإيرانية وعملاء الأسد.
ومن الجيد أن أشير هنا إلى نقاط الضعف الاجتماعي والعسكري والأمني في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون بغية تداركها.
الضعف الاجتماعي:
إن ريف حلب الشمالي والشرقي كان منطقة هادئة منذ اندحار داعش والمليشيات الانفصالية، وكما تتكاثر الضفادع في المياه الراكدة وتحولها إلى مستنقعات، فقد تكاثر دعاة الشر والتشبيح في هذه المناطق.
إن تساهل الجيش الحر أدى إلى إعلان الشبيحة وداعمي نظام الأسد عن مواقفهم بدون مواربة، مستغلين أجواء الحرية التي أشاعها الجيش الحر وقيادة الثورة في المناطق المحررة، بل وصل الأمر ببعض العوائل الكبيرة الداعمة لنظام الأسد -في مدينة الباب مثلا- إلى الاعتداء على عناصر الجيش الحر بالضرب والشتائم تحت حجج مختلفة.
وبالنسبة للجيش الحر فإن اطمئنانه وعدم شعوره بالخطر يدفعه إلى التغاضي عن مثل هذه التصرفات الخبيثة، غير مدرك الخطر الذي يشكله تكاثر هذا النوع من الشبيحة الذين تنطوي قلوبهم على أحقاد دفينة لا تكف عن العمل ليل نهار في سبيل الانتقام، أو الحنين إلى الحذاء العسكري الذي كانوا يلوذون به عشرات السنوات.
إن هذه الحالة عموما أدت إلى تفكك واضح في النسيج الاجتماعي في المناطق المحررة، وإن التقصير في التعامل معها أدى إلى ظهور تأثير كبير لقدامى البعثيين وأصدقاء النظام على الشباب، والواجب على الجيش الحر اليوم منع أي مظاهر تخل بنسيج المنطقة الاجتماعي وسحب السلاح من هذه العوائل تحت قانون الحد من انتشار السلاح الذي أقر مؤخرا.
الضعف العسكري:
إن مناطق الدرع تعاني من هشاشة عسكرية تكمن في أربع نقاط هي:
أولا: من الناحية العسكرية اعتاد الجيش الحر في ريف حلب على الدعة والراحة في ظل هدوء الجبهات، وهذا ما يجعله غير مستعد لخوض حرب مفاجئة رغم التدريبات الدورية التي يقوم بها.
ثانيا: كما أن القوات الجوية الروسية ومليشيات الأسد على الأرض كوَّنت أساليب قتالية جديدة في السنتين الماضية لم يطلع عليها الجيش الحر في مناطق الدرع أو الغصن، وهذا يحقق لهم نقطة تفوق كبيرة.
ثالثا: ومن جهة الجاهزية فإن قوات الجيش الحر لا تملك جاهزية نفسية لخوض الحرب لاطمئنانها إلى الاتفاقيات العسكرية التي أقامها الأتراك مع الروس والأمريكيين وغيرهم من اللاعبين الإقليميين.
رابعا: وقوع منطقة تل رفعت وما يتبعها في يد حلفاء الأسد من قوات قسد وإيران، إذ تشكل هذه المنطقة خاصرة ضعيفة يستطيع هؤلاء من خلالها فصل منطقة الدرع عن الغصن بسهولة، كما يستطيعون استهداف المدنيين بكافة الاتجاهات كما يحدث دائما في قصفهم لمدينة مارع وما حولها من القرى.
إن علاج نقاط الضعف هذه يحتاج إلى عدة إجراءات سريعة:
الأولى: إرسال فرق كبيرة من مناطق الدرع والغصن إلى ريف إدلب وحماة للمشاركة في المعارك واكتساب الخبرة القتالية اللازمة.
الثانية: إعادة نشر الجيش الحر وجاهزيته على مناطق التماس، وحفر الخنادق واتخاذ الإجراءات اللازمة مستعينا بخبرة الجيش الحر في إدلب وحماة.
الثالثة: حل قضية تل رفعت والقرى العربية المحتلة في أقرب وقت سياسيا أو عسكريا وعدم إهمالها، لأن في ذلك خطرا واضحا على المنطقة برمتها، وخاصة باتصالها بمناطق سيطرة الإيرانيين في نبل والزهراء.
الضعف الأمني:
إن الاختراق الأمني لمناطق الجيش الحر واضح تمام الوضوح من خلال التفجيرات الضخمة التي ضربته، وهو اختراق أمني عميق ومعقد، إذ تتلاقى فيه خلايا داعش مع خلايا قسد والأسد على هدم الجيش الحر وإشاعة الفوضى في المناطق المحررة. ويتمثل الاختراق أيضا في قيام جواسيس هذه الجهات بإرسال التقارير الدائمة إلى مراكزها عن أماكن تواجد الجيش الحر والنقاط الطبية والإدارية والمدارس.
ويكمن العلاج في الإجراءات التالية:
أولا: بقيام الجيش الحر بنقل جزء من مقاره ومخازن الأسلحة إلى أماكن سرية، وتأسيس نقاط طبية احتياطية في حال تم قصف المراكز الأساسية.
ثانيا: يجب على الجيش الحر أن يقوم بإحصاء المؤيدين لنظام الأسد والمشبوهين وأصحاب السوابق، ويقوم بعمليات مداهمة فجائية، فقد يتفاجأ بشخصيات كبيرة وصغيرة تعمل لصالح الأسد أو قسد وداعش.
وقد وجد في ريف إدلب وحماة صور وحالات كافية لتوضيح طريقة عمل هذه الخلايا التي تم القبض عليها، إذ لم تترك مركزا عسكريا أو مدنيا أو طبيا إلا قامت بإحصائه وتحديد موقعه وإعطائه للروس وعملائهم.
ثالثا: إن دعاة المصالحة والتسليم للنظام غالبا ما يكونون من كبار السن والقيادات الاجتماعية “الحكيمة” كما يسميها البعض، وهي على العموم تستغل مكانتها الاجتماعية وانتسابها إلى عوائل كبيرة لتحصين نفسها من أي تفتيش أو اعتقال، ولو تم القبض عليها أو مراقبتها بشكل دقيق سيكون لذلك دور كبيرة في كشف خلايا المخبرين الذين يعملون لنظام الأسد، فبعض هؤلاء الوجهاء يعمل كمركز لتجميع المعلومات.
رابعا: من خلال مراقبة الوضع في ريف حلب نجد أن بعض القيادات الأمنية والعسكرية الجديدة في مناطق الدرع والغصن اكتسبت مكانتها العسكرية من القتال ضد داعش وقسد أو من خلال القرابات العائلية، ولكنها لا تملك أي عقائدية في صد أي عدوان للأسد -كما يعرف المطلعون على الواقع- بل بعضهم ينتظر قدوم الروس ومليشيات الأسد بفارغ الصبر للانقلاب على الجيش الحر، وهؤلاء تجب مراقبتهم وإحصاؤهم في حال بدأ الروس وميليشياتهم الحرب، فلا يمكن الاعتماد عليهم بالإضافة إلى احتمالية خيانتهم في حال أحسوا أي تغير في موازين القوى.
إن هذه المعطيات تقتضي الاستعداد لحرب طويلة الأمد، في ظل محاولة الروس إعادة تأهيل جيش النظام المتهالك، وخاصة بعد الأخبار الواردة عن سحب الفيلق الخامس بقيادة سهيل الحسن وبضع مليشيات أخرى من جبهات القتال في حماة إلى وجهات مجهولة، أو سحب القوات الإيرانية من أرياف حمص وحماة وبعض مناطق جنوب سوريا باتجاه ريف حلب وتأسيس مقار جديدة بالاشتراك مع الفرقة الرابعة، فقد تتم صيانة قوات الفيلق الخامس لإشراكها في عمل جديد بقيادة الإيرانيين في معركة خاطفة تستهدف احتلال مدينة الباب أو مارع أو غيرها من المناطق ذات الرمزية الثورية.
وأما بالنسبة للمدنيين في هذه المناطق فعليهم أن يحسبوا حسابهم للحرب المحتملة من خلال عدة أمور:
- عدم تخزين كامل منتجات الخضروات والفواكه في البرادات المخصصة للتخزين، وطرح بعضها في الأسواق لتأمين السيولة المادية اللازمة لحماية الجزء الذي سيقومون بتخزينه أو حمايته ونقله من مكان لآخر.
- تحضير مستلزمات النزوح في كل بيت في حال تعرضت المناطق السكنية للقصف المفاجئ، وخاصة في فصل الشتاء.
- تأسيس ملاجئ وخنادق للمدنيين في المناطق الزراعة القريبة من المدن والقرى.
وأخيرا: إن الاستعداد للحرب يمنع الحرب وإن شعور النظام بمتانة الجبهة التي سيواجهها ستجعله يراجع حساباته ألف مرة، فهو بحاجة إلى حرب خاطفة ونصر سريع يعيد الحياة إلى مليشياته الميتة، وليس إلى حرب طويلة غير معروفة النتائج.
عذراً التعليقات مغلقة