عائشة صبري – حرية برس:
تستمر فصائل الثوار بعملياتها النوعية التي تستنزف نظام الأسد وميليشياته المحلية والأجنبية، بشريًا وماديًا على جبهات أرياف حماة وإدلب واللاذقية منذ شهرين وحتى اليوم.
خسائر كبيرة تكبدتها قوات الأسد التي ظنت أنها ستستولي بسهولة على آخر معاقل الثوار في الشمال السوري تحت تغطية نارية كثيفة للقاذفات الجوية الاستراتيجية الروسية، لكنها فوجئت بشراسة الدفاع من قبل الفصائل المرابطة هناك التي لم تتوقف عند الدفاع وبادرت بالهجوم على مواقع لم تسيطر عليها من قبل.
آخر المكاسب الجغرافية التي حققتها فصائل الثوار المنضوية ضمن غرفة عمليات “الفتح المبين” كانت السيطرة على قرية الحماميات وتلتها الاستراتيجية شمالي حماة أول أمس.
ويعود سبب فشل نظام الأسد والروس بالتقدم على محاور حماة، بحسب النقيب ناجي مصطفى، الناطق باسم “الجبهة الوطنية للتحرير” إلى “ثبات المقاتلين على هذه الجبهات، والروح المعنوية القتالية العالية بالإضافة إلى التصميم والإرادة القتالية القوية لدى الثوار على الجبهات، وهذا ما يمنع عصابات الأسد والمحتل الروسي من التقدم على جبهات حماة وإدلب على الرغم من استخدام الروس كافة صنوف الأسلحة البرية والجوية”.
ويوضح مصطفى، في تصريح إلى حرية برس، أنَّ “الثوار استخدموا تكتيكات عسكرية جديدة لا يُمكن البوح عنها حالياً بغية استنزاف قوات الأسد وإيقاع خسائر كبيرة في صفوفه، وإفشال مخططاته، فضلًا عن تحقيق إنجازات كبيرة للثوار عبر تحرير مناطق جديدة كان آخرها الليلة الماضية قرية الحماميات وتلتها الاستراتيجية خلال اشتباكات عنيفة استمرت لأكثر من ساعة وقُتل وجُرح فيها العشرات في صفوف النظام، وذلك بعد التخطيط والإعداد الجيِّد من قبل الضباط المنشقين”.
ويضيف المصطفى، أنَّ “عصابات الأسد حاولت أكثر من خمس مرات استرجاع الحماميات وتلتها منذ سيطرتنا عليها، والآن هناك محاولة جديدة، وفي كل محاولة يخسر النظام عدداً من جنوده ولا يمكن في الوقت الراهن إحصاء العدد. مشيراً إلى أنَّ سير المعركة يأتي في سياق الحفاظ على ما تم تحريره اليوم والمعركة مستمرة”.
بدوره، أكد المقدم سامر الصالح، مسؤول العلاقات العامة في “جيش العزة” لحرية برس أنَّ الثوار لا خيار أمامهم سوى “الصمود أو الموت”.
وقال الصالح: إنَّ نخب الثوار من تلك المناطق كان لهم “تكتيكات عسكرية لتلافي الضربات الجوية، ومنها استخدام المضادات للدروع” بشكل وصفه بـ “الجيِّد والحرفي” بالإضافة إلى استهداف مواقع هامة لنظام الأسد والمعسكرات الروسية في ريف حماة.
وأرجع الصالح، سبب حدوث المفارقة وقلب موازين المعركة من كفة نظام الأسد إلى كفة الثوار إلى “عقيدة القتال لدى الثوار وإيمانهم بقضيتهم، فهم يقومون بالهجوم ولا يكتفون بالدفاع فقط، وأصبحت المبادرة بيد الثوار”.
ونوَّه إلى أنَّهم “يُهاجمون مكاناً مغايراً وجديداً في كل مرة، فضلاً عن التبديل في تكتيكات القتال، والاستطلاع الدائم لكافة المحاور، بما في حوزتهم من أسلحة، وليس هناك أي أسلحة جديدة كما أُشيع”.
وكانت الحملة العسكرية لنظام الأسد بدأت نهاية الشهر الرابع من العام الجاري باتجاه سهل الغاب غربي حماة، واستطاعت قوات الأسد بدعم روسي تحقيق التقدم يوم السادس من شهر مايو/ أيار الماضي، بعد معارك في “تل عثمان والجنابرة وكفرنبودة” ثم بعدها بيومين “الحويز والكركات والمستريحة وقلعة المضيق”.
المعارك وصفها الباحث في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان، في تصريح إلى حرية برس، بأنَّها كانت “عنيفة وانتهت بتقدم النظام لأسباب قد يكون منها عدم تحصين النقاط هندسياً بشكل جيِّد والاطمئنان لوجود النقاط التركية، ثم عنصر المبادرة الذي فاجأ الثوار بالسيطرة على مناطق مرتفعة مطلة على سهل الغاب وتكشف نيرانياً قرى وبلدات استطاع النظام السيطرة عليها بعد ذلك وأهم هذه النقاط (تل عثمان وقلعة المضيق) التي كشفت المنطقة بالإضافة لمعسكر جورين في ناحية شطحة الذي كان مركز انطلاق قوات الأسد من الغرب.
ومع سيطرة النظام على بلدة “القصابية” جنوبي إدلب في الثالث من حزيران/يونيو الماضي كان الثوار قد استدركوا الأمر بعدة خطوات أوقفت تقدم النظام وأدخلته مع حلفائه الروس في معارك استنزاف طويلة.
وبرأي علوان، أنَّ هذه الخطوات يأتي من أهمها “اجتماع كافة فصائل المنطقة وتجاوز تاريخ طويل من الاختلاف وتشكيل غرفة عمليات واحدة تحت اسم “الفتح المبين” في السابع من شهر يونيو/حزيران الماضي، الأمر الذي جعل الحاضنة الشعبية والمدنيين عاملاً هاماً في رفع الروح المعنوية عبر المبادرات الفردية والجماعية سواء في المال أو المساهمة في التحصين، ومنع الانهيارات الداخلية والنفسية كما حدث سابقاً في غوطتي دمشق”.
ويقول علوان: إنَّ “الثوار اعتمدوا في معاركهم على نوع جديد من الخطط والتكتيكات غير المتوقعة من قوات العدو سواء في طريقة خوض المواجهات، أو في فتح محور جديد للمعركة في (تل ملح والجبين) والحفاظ على التقدم في هذا المحور”.
ويضيف، “كذلك شكّل الصمود الأسطوري وإبداع أساليب الدفاع في تل الكبينة شمالي اللاذقية عاملاً هاماً في دعم صمود الثوار، وتململ قوات الأسد واضطرارها لتبديل ونقل القوات، ما أعطى الثوار فرصة الاستعداد والتحضير والمبادرة في معارك جبال التركمان الأخيرة”.
ويختم علوان حديثه، بأنَّ “النظام الذي لطالما اعتمد على خلافات الفصائل، واختراق المناطق المحررة بالطابور الخامس، يشتكي الآن من خسائر كبيرة وخلل معنوي كبير، بينما أمام فصائل الثورة فرص كبيرة للمبادرة والتقدم والكثير من المكاسب العسكرية والسياسية”.
يشار إلى أنَّ تل الحماميات، هو مرتفع استراتيجي حاول الثوار لأكثر من عشرين مرة تحريره منذ العام 2013 حيث تمت حينها السيطرة عليه ليوم واحد، وخلال المعركة الأخيرة سيطرت عليه فصائل الثوار ليوم واحد ثم انحازت عنه بعد قصف برِّي وجوِّي عنيف استهدف المنطقة، واستقدام نظام الأسد تعزيزات عسكرية في 14 مايو/ أيار الماضي، لكنه الآن ما يزال تحت سيطرة الثوار مع استمرار عمليات تثبيت النقاط وتحصينها والاستمرار باتجاه بلدتي “المغير وكرناز” بهدف ضمان بقاء التل كما تل ملح من المناطق المحررة.
وكانت فصائل الثوار اتخذت المبادرة بالهجوم المضاد على محور كفرنبودة في العاشر من مايو/ أيار الفائت أوقعت خلاله العديد من الخسائر في صفوف النظام وميليشياته، وهجوم آخر في 26 من ذات الشهر، وتوالت الهجمات وعمليات الكر والفر على محاور مختلفة في شمالي وغربي إلى يومنا هذا.
عذراً التعليقات مغلقة