ياسر محمد- حرية برس:
مع مساعي المبعوث الدولي، غير بيدرسون، لإنتاج مقدمة حل سياسي سوري عبر تشكيل “لجنة دستورية”، تبدو الدول الفاعلة في الملف (الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون والعرب، إيران، تركيا..) غير عابئة أو معولة على ذلك المسعى، إذ قامت تزامناً بتجديد السباق إلى السيطرة العسكرية على الأرض، من خلال تموضع جديد- قديم، وتقديم مزيد من الدعم لحلفائها المحليين على الأرض، ما يعزز تقسيم الخريطة السورية وفرض واقع جغرافي وسياسي جديد.
وفي هذا السياق، زار قائد الجيش الأمريكي في سوريا والعراق “بلاك ميران”، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا “جيمس جيفري”، والسفير الأمريكي لدى التحالف الدولي “وليام روباك” منطقة شرق سوريا، واجتمعوا مع وجهاء من محافظة دير الزور، في حقل العمر النفطي، أمس الثلاثاء.
وأكد الوفد الأمريكي على بقاء القوات الأمريكية في المنطقة ودعم آليات استقرارها وتنميتها اقتصادياً بأسرع وقت والدفاع عنها عند حصول أي طارئ، فيما طلب الشيخ “حاجم البشير” من الجانب الأميركي تفعيل الدور العربي في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بدير الزور، “لأنه الضامن الوحيد لاستقرار المنطقة في وجه التحديات الإيرانية وقوات النظام”.
تأتي زيارة الوفد الأميركي الرفيع، بعد زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي “ثامر السبهان” ونائب وزير الخارجية الأمريكي “جويل رابيون” إلى المنطقة نفسها، حيث عقدوا اجتماعات مع وجهاء ومسؤولين محليين في المنطقة، في أيّار الفائت.
ولتعزيز وجودها العسكري في المنطقة (الجزيرة السورية)، طلبت الولايات المتحدة من حلفائها الأوربيين إرسال مزيد من القوات إليها، وفيما رفضت ألمانيا الطلب، فإن فرنسا وبريطانيا وافقتا على إرسال مزيد من الجنود والمعدات، كما ذكرت صحيفة “بوليتيكن” الدنماركية، أن الولايات المتحدة طلبت من الدنمارك إرسال جنود إلى سوريا، وتدريب عناصر تنظيم “ب ي د/ ي ب ك”.
وتُظهر الخطط الأميركية الجديدة إصرار واشنطن وحلفائها على فصل هذه المنطقة من سوريا، وإرساء كيان انفصالي فيها ودعمه بوجود أجنبي قد يطول. كما يبدد التصرف الأميركي احتمال إقامة “المنطقة الآمنة” على طول الحدود السورية- التركية، والتي تصر تركيا على إقامتها وإدارتها لحماية أمنها القومي.
وبالنسبة لروسيا التي تسيطر بالكامل على الساحل السوري، فإنه يبدو أن لا أحد ينافسها في تلك المنطقة، بينما تعاني إيران في تثبيت نقاط سيطرة معينة، إذ تنتقل من نقطة إلى أخرى وفق المعادلات العسكرية والسياسية، وقالت صحيفة “الشرق الأوسط” في عددها الصادر اليوم الأربعاء، إن المفاوضات بين واشنطن وموسكو أسفرت عن “تفاهمات صامتة” تسمح للجيش الأميركي بتوجيه “ضربات جراحية” في شمال غربي سوريا، تستهدف متطرفين قريبين من تنظيم “القاعدة”، يشكلون “خطراً على الأمن القومي الأميركي”، بالتزامن مع قيام روسيا بـ”خطوات هادئة” لتحجيم نفوذ إيران، وهو ما تم الاتفاق عليه منذ أيام أيضاً مع “إسرائيل” في اجتماع أميركي- روسي- إسرائيلي بحث طرد إيران من سوريا.
واضطرت إيران إلى نقل العديد من قواعدها وميليشياتها من دمشق ومحيطها والجنوب إلى البادية والشمال، بعد الخسائر الجسيمة التي مُنيت بها من جراء مئات الغارات الإسرائيلية التي استهدفتها، إذ لم تعد “إسرائيل” تكتفي بإبعاد إيران عن حدودها الشمالية مسافة 40 كم، كما تم التوافق مسبقاً، بل عقدت العزم على طردها من سوريا بالكامل.
إلا أن إيران ما زالت تستميت للبقاء في سوريا، بل والتمدد فيها مكانياً وزمانياً، من خلال ربط نظام الأسد بعقود اقتصادية تضمن نفوذ إيران وحضورها في مستقبل سوريا من بوابة الاقتصاد والاتفاقيات الاقتصادية.
وفي هذا الشأن، وقع النظام الأسد اتفاقية تعاون جديدة مع إيران، تشمل مشاريع إعادة الإعمار في سوريا.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن وكالة “فارس” الإيرانية للأنباء، اليوم الأربعاء، أن كلاً من وزير العمل والرفاه الاجتماعي الإيراني، محمد شريعت مداري، ونظيرته في حكومة الأسد، ريما قادري، وقعا مذكرة تعاون اقتصادي تشمل السوق ومشاريع إعادة الإعمار في سوريا.
وأوضحت الوكالة، أن “المذكرة تمتد لخمس سنوات وتشمل مجالات الرعاية الاجتماعية والتدريب الفني والمهني فضلًا عن متابعة دراسات شاملة تتعلق بمستقبل سوق العمل وتبادل القوى العاملة والمساهمة في إعادة إعمار سوريا”.
وتخشى إيران في هذا الملف من حليفها الروسي أكثر من غيره، إذ تفكر روسيا في الاستيلاء بشكل شبه كلي على “إعادة الإعمار”، وكان رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، قال في كانون الأول الماضي، إن “قطاع الأعمال الروسي في سوريا يعد كل روبل، لأننا لا يجب أن نفكر في مصلحة البلدان الأخرى فقط، حتى لو كانوا من الأقرباء والأصدقاء”.
Sorry Comments are closed