سليمان نحيلي يكتب: أحرسُ الوقتَ الذي لاينام

سليمان نحيلي1 يوليو 2019Last Update :
سليمان نحيلي

أحرسُ الوقتً الذي لاينام

نص: سليمان نحيلي

ها أنا في الأربعينَ من انتظاري

أتعلمُ ماهي الأربعونَ على امرأةٍ

تَعدُّ أيامها حزناً… حزناً

ترقبُ بعين أنثى تَسَاقُطَ ربيعها

على قارعة الذّبول..؟؟

الأربعونَ انتظارٌ

والانتظارُ: نصف الموتِ

حكمةُ المحاصرين على أطلالِ الأمل…

أنا ابنةُ الانتظارِ وأمُّ ساعاتهِ

بطءُ سريانهِ على تضاريس جسدي

نزيزُ البحر من ثقبِ إبرةٍ

تقويمُ الزّمنِ المعدنيّ

فلكم تقويمكمْ

ولي تقويمي: أيامٌ من الحيرةِ والتلهّفِ والتّردّدِ والأحلامِ

فكلّ الفصولِ لديّ خريفُ..

أربعينيةٌ أنا ..

هوايتي جمُعُ السّاعاتِ المعطّلة

ولي أن أحرسَ الوقتَ

ولي اكتمالُ القمرِ كل شهرٍ

وردةٌ حمراء تذبل من عفةٍ أوانَ التّفّتحِ

ولي اشتهاءُ الأرضِ للمطرِ

لكنّ هذا العقل ناطورٌ قاسي الملامح .. لايكفّ عن اللا..

أنثى أنا

فهل تسمعُ كلّ ليلةٍ نداءاتي

وعويلَ الكبت خلف الجدران

وهل سمعتَ يوماً هسيسَ نهديَّ تحت قمصان النومِ

أو فكّرتَ بفساتيني التي تسفُّ البرودة في ظلامِ الخزانةِ

أنثى أنا

ولي بساتينٌ ودوحُ

فهذا التّفاحُ العامرُ مغلاقُ بابِ الجنّة لي

ولي هذا الخصرُ اللائبُ حبلُ أمطارٍ استوائيةٍ .. لي ..

وأنا لك.. أنا لك ..

قمصاني لم تُقدَّ من دُبُرٍ ولا من قُبلٍّ قط حتى اليومَ

وأنا إمرأةُ العزيز، ولستَ يوسفَ

وأنا لك .. أنا لك

فهيتَ لك…

**

لي أربعون قهراً

وسجائر أُرمّمُ بها ثقوب الشهّوةِ فيَّ

لكنّ جوعيَ للأمومةِ أكثر

أنثى .. ولي قلبٌ ولي جسدٌ .. وأمنياتي صغيرة

ولي ماشئتَ من انتظارٍ ورماد ،

لي برودةُ الفِراشِ

وطموح المخدّةِ لرأسينِ متعانقينِ كزوجِ حمام..

ولي الأيام الحبلى بالمواعيد السرابِ

والشموعِ المطفأة ..

والأوراقِ الصّفرِ أواخرَ أيلول .. لي

أيلولُ يامختصرَ الصيفِ

ياحاديَ الخريفِ والعنبِ

تُعصرُ العناقيدُ فيكَ للندمانِ

ونبيذيَ في خوابي الانتظارَ يُعتّقُ من عامٍ لعام ..

وها قد مضى اليوم أربعون عاماً ولا أحدْ ..

كانون ُ

يا راهبَ الغربةِ والبردِ حليفي

لكم كانونكم ولي كانوني

كلّ أحطابِ الكونِ لاتكفي

ليسريَ الدفءُ في شراييني

**

يا لأحلامِ العذارى

ثوبُ عرسٍ أبيض

وزوجٌ وطفلٌ يملأُ الثديينِ حليباً إذ ترتعشُ شفتيهِ بالشّدوِ (ماما)

هجرناكِ يا أحلامَ العذارى

فللأحلامِ الآن أن تصغرَ أكثرْ ..

ولأمومتي أنْ تصغرَ بل تكبرَ تكبرَ

أكثرَ.. أكثر ْ

ولطفليَ أنْ يكبرَ أكثرَ ..أكثرْ

وإمّا يبدأُ المشي ينادي قلبي عليه:

(يا ولدي لاتخرج إلى الشمسِ

أخشى على ظلّكَ أن يقع على الأرضِ) *

وأنا في الليلِ وحدي وسريري

لا لستُ وحدي

فبقربيَ طفلي أمسحُ شعره ُ

وأُهدهدُ له كي ينام ..

(نام .. نام .. ياالله تنام.. لدبحلك طير الحمام….) **

وبعد قسطٍ من تأمّله على ذراعيَّ

أجسُّ جبينهُ الغضَّ بقلبِ أمٍّ ممسوسةٍ بالشعفِ

فيطيرُ صوابي …

يالَحُمّائهِ .. يالَحُمّائهِ

أهرعُ إلى الهاتفِ:

ألو دكتووور

إنّ طفلي مري..

أتلفّتُ إلى السريرِ وأصيحُ

أين طفلي .. أين طفلي؟

فأتداعى كأكوامِ رملٍ عَاجَلها الموجُ

ثمّ أُدركُ أنه لم يكن في الغرفةِ غيري

وأني وحيدةٌ أحرسُ الوقت الذي لاينام..

**

تكْ …تكْ ..

إِبرُ السّاعة في غرفتي المرميةِ

على كتفِ الليالي

تثقبُ بؤبؤَ عينِ الرّوحِ

وتُشعلُ فيَّ لهفة الأُمهاتِ للصّغارْ…

تكْ ..تكْ..

الأرضُ تدورُ

وأنا على قيدِ الانتظار ْ..

** ** **

* مقطع من قصيدة لخليل حاوي.

** أغنية شعبية تغنيها الأمهات الصغار في المهد ليناموا

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل