- منطلقات نحو حل المشكلة الإيرانية:
من طبيعة الثورات الشعبية المحقة أن تقضي على الألوان فيكون كل من يقف في صفها أبيضَ خالصا، وكل من يعادي حقوق الشعب أسودَ قاتما بكل مساوئه، وأما من يمتنع عن نصرتها فهو رمادي بغض النظر عن مدى قربه أو بعده، وقد وصلت الثورة السورية إلى مرحلة سياسية لا يمكن للغضب الثوري المجرد أن يقودها، وإن واجب المرحلة يقتضي التعامل مع كل الألوان والأطياف لخدمة قضايا الشعب المحقة في الحرية والعيش الكريم.
إن على قوى الثورة السورية اليوم أن تغير من طريقة تفكيرها لتتمكن من مواجهة أعدائها والاستمرار، وإذا كان قادتُها التقليديون غير قادرين على التعامل مع حساسية المرحلة فعليهم أن يتجنبوا الميدان وليفسحوا المجال لمن يستطيع.
نعم الكلام قاس ولكنها مقتضيات المرحلة فللثورة أخلاقياتها ولحرب الاستنزاف أو الباردة أخلاقياتها الخاصة.
في الحرب الباردة لا يوجد عدو دائم إذ كل عدو يمكن أن يكون صديقا يوما.. وإن الاستهداف الشامل لكل من لم يناصر قضية شعبنا يكثر من أعداء الحرية ولا يقللهم لهذا علينا أن نتواصل لا أن نقطع وأن نزيد الأصدقاء ونقلل الأعداء.
- الوجود الإيراني في سوريا:
العلوية والشيعة بينهما عداء تاريخ طويل، إذ يعتقد الإمامية بكفر العلوية وزندقتهم، بينما يستحل النصيرية لعن الإمامية ويرونهم كالحيوانات، وقد تجاوزت الطائفتان كل هذا العداء التاريخي بغية بناء حلف سياسي متين في العصر الحديث، وُضعت قواعده في عصر الأسد الأب الذي عمل على تقديم كل التسهيلات اللازمة للوجود الإيراني المستقبلي في بلادنا، ولكن بخطوات حذرة مخافة استعداء الشعب.
وفي عهد الأسد الابن سارعت إيران من وتيرة تغلغلها في المجتمع السوري عبر حملات منظمة لتشييع السنة والاستقواء على من يعارضها بمخابرات الأسد، التي اتهمت كل ما عارض المشروع الإيراني بالطائفية وإثارة الفتنة.
في بداية الثورة السورية تدخلت إيران بقوة إلى جانب الأسد ومع مرور سنيِّ الثورة ساهمت في تهجير السنة وتوطين الشيعة الوافدين من إيران والعراق وأفغانستان وغيرها في مدنهم، وزادت على ذلك بافتتاحها مراكز تشييع في معظم المدن والمراكز الكبرى.
- أشكال المد الشيعي في سوريا:
لقد جربت إيران نشر التشيع في سوريا سنين طويلة قبل الثورة وبذلت الكثير من المال والجهد ولكنها فشلت فشلا ذريعا، إذ كان بعض الفقراء يظهرون التشيع ويحضرون دروس الشيوخ الشيعة بهدف الحصول على الأموال التي تدفعها إيران دون أن يدخل ما يقوله دعاة التشيع إلى عقولهم أو قلوبهم.
تعلمت إيران من تجربتها السابقة أن المال ليس كل شيء.. لهذا تحرص على إقامة فعاليات ثقافية ودينية وترفيهية مختلفة لجر الناس إلى التشيع، وأبدت اهتماما واسعا بالعمل الخيري واستهدفت فئة الأطفال والمراهقين والعوائل الفقيرة، وهي تهدف من ذلك كله إلى تكوين جيش شيعي شاب من أبناء سوريا نفسها خلال السنوات القليلة القادمة ليكون ركيزة وجود طويل الأمد في سوريا طالما حلمت به.
إن إيران تدرك أن الشيعة الأجانب الذين وطنتهم في مناطق السنة المهجرين سيبقون جزءا غريبا عن المجتمع ما لم يجدوا سندا لهم من الشعب نفسه، لهذا لا تجد بدا من تشييع من استطاعت من أهل السنة بالغزو الفكري والثقافي والمالي.
كما تدرك إيران أن شق الصف السني عبر شباب شيعي متطرف من أبنائهم -على غرار ما فعلت داعش في مناطق السنة- سيؤمن لها تفجير المجتمع السوري وغفلته عنها لسنوات قادمة.
إن إيران قد تبنت الآلاف من أبناء السنة منذ أربع سنوات وإلى اليوم، وإذا قلنا إن متوسط أعمارهم كان في الخامسة عشر فهم اليوم قد غدوا بين الثامنة عشرة والعشرين، وهذه السن سن الطيش والمراهقة الفكرية ليس من السهل معها نزع الشباب من قلب التطرف بعد أن تورطوا فيه، وإن بقيت إيران سنتين أخريتين تتبنى الشباب وتغسل أدمغتهم فسوف نجد أنفسنا أمام قنابل موقوتة ستنفجر في كل مكان وفي كل لحظة حتى ولو تم إخراج إيران والشيعة الأجانب بالقوة من بلادنا.
إن تصورنا لحجم الكارثة التي تنتظرنا يدفعنا لاتخاذ كل الوسائل الممكنة لمواجهة موجة التطرف الرافضي القادم، فالتطرف الرافضي الذي تعمل إيران على نشره في صفوف العرب سنة وشيعة على السواء لا يختلف كثيرا عن تطرف داعش الذي غسل أدمغة الآلاف من الشباب المسلم.
- توصيف المشروع الإيراني في سوريا:
إن للتمدد الإيراني المطرد في منطقة الشرق الأوسط عموما وفي سوريا خصوصا أربع ركائز يقوم عليها ويستند إليها، وهي: 1- التخطيط طويل الأمد 2- غفلة الشعوب المجاورة لهم 3-بناء شبكة علاقات براغماتية مع جواره 4- استغلال الفوضى.
ولهذا المد أربعة محاور رئيسة هي: 1- المحور السياسي 2- العسكري 3- الاقتصادي 4- الاجتماعي.
ويستخدم الإيرانيون في المحور الاجتماعي وسائل ثلاثة رئيسة هي: 1- العمل الخيري 2- والغزو الفكري 3- والمراكز التعليمية.
وأنا كباحث اجتماعي سأطرح تصورا لمواجهة “المد الرافضي المتطرف” على المستوى الاجتماعي إذ إن إفشال الإيرانيين فيه يعني فشل باقي المحاور على المدى البعيد، وإن هذا لا يُخلي قادة المعارضة عن المسؤولية التامة في الحفاظ على بلادنا سياسيا وعسكريا ومنع الإيرانيين من غرس بذور التطرف والفتنة في بلادنا.
- خطة المواجهة – منطلقاتها ووسائلها:
إن التبشير الشيعي ينحصر في أماكن سيطرة الأسد فقط، وإن واجب المعارضة التي تسعى لإنقاذ شعبنا من مآسيه وبناء مستقبل جميل له؛ يجبرها على أخذ ذمام المبادرة لمواجهة المد الشيعي في مناطق سلطة الأسد نفسه.
إن مواجهة إيران اجتماعيا يقتضي منا استخدام نفس الوسائل التي تستخدمها، ولهذا يجب علينا العمل على إنشاء المراكز التعليمية والفكرية والدينية وإقامة النشاطات الثقافية في مناطق سيطرة الأسد وحلفائه الإيرانيين لإغلاق هذا الفراغ الذي ينفذون منه، كما يجب علينا في المعارضة أن ندعم العمل الخيري السني في المناطق التي يستهدفها الروافض بغية الاهتمام بالفقراء واليتامى وكفالتهم ومنع اليد الإيرانية القذرة من الامتداد إلى حياتهم، وقطعها قبل أن تستخدمهم في حروبها المستقبلية ضد إخوتنا في الخليج وغيره كما فعلت بمئات الآلاف من الشباب اللبناني والباكستاني والأفغاني والأوزبكي الذي ربَّته بضع سنين في عفلة من شعوبهم ثم استقدمته للحرب ضدنا في سوريا.
إن مناطق النظام تعاني من أزمة اقتصادية مخيفة منها ما سببه الأسد ومنها ما نتج عن الحصار، وإن الواجب علينا نحن المقيمين في مناطق الجيش الحر أو المَهجَر أن نعيد التواصل مع كل رجال العلم وقادة المجتمع في مناطق الإجرام الأسدي ودعمهم بالمال والخطط لتأسيس بنية اجتماعية قادرة على مواجهة سلطة الإيرانيين الفكرية والمالية.
إن المؤسسات الدينية التي تديرها المعارضة في المناطق المحررة أو في تركيا وباقي دول الجوار تحوي مئات المراكز التعليمية وجمعيات العمل الخيري وواجبها اليوم أن تحول نصف قدراتها على الأقل إلى مناطق النظام لإيصالها إلى كل معارض للوجود الإيراني بغض النظر عن موقفه السياسي من الثورة، وإن هذا التواصل والدعم المادي سيمكننا من إنقاذ ما أمكن من شبابنا المسكين، كما سيحقق لنا – في الوقت ذاته- إعادة اللُّحمة مع باقي فئات المجتمع التي حرص النظام على تفتيته وتقسيمه ليتمكن من السيطرة عليه.
إن من واجبنا استخدام كل علاقات الصداقة والقرابة والدين والسياسة لإعادة العلاقات مع كل من في الداخل، فهم ضحايا إجرام الأسد، وواجبنا أن نرى فيهم مرضى أو مغلوبين على أمرهم يحتاجون عونا؛ لا أعداء يحتاجون قتلا.
لا يمكننا التقدم في قضيتنا العادلة دون تغيير أساليب المواجهة وخطط المناورة، وإن أساس ذلك الفصل بين الملف العسكري والسياسي والاجتماعي في القضية السورية.. ونحن اليوم كأفراد من المجتمع السوري يحتم علينا ضميرنا أن نعيد الشعب إلى وحدته الاجتماعية ومقاربة أفكاره وجهوده بغية خدمة الوطن بغض النظر عن اصطفافاتنا السياسية فهذا هو الشيء الوحيد الذي يكفل لنا الانتصار على إجرام الأسد وحلفائه، وسحب ورقة تفريق الشعب من يده الملطخة بدمائنا.
إن خطة العمل على مواجهة المد الإيراني القذر في مناطق الأسد حالة مثالية يمكن أن يجتمع عليها الشعب السوري المعارض والمحايد وحتى بعض المؤيد، وستفتح أمامنا آفاقا جديدة نحو توحيد الشعب في مواجهة طغيان الأسد الذي قسَّم شعبنا وضربه ببعضه ليسلم هو.
وختاما لتقم كل واحدة من فعاليات الثورة ومؤسساتها بالتواصل مع أبناء اختصاصها في مناطق الأسد ومد يد العون لهم لمواجهة المد الإيراني والحفاظ على ما تبقى من شعبنا المنكوب بعَيشه في ظل سلطة إجرامية يتشارك فيها الروس والإيرانيين والأسد.
Sorry Comments are closed