حين تُذكر الكوارث الإنسانية والجرائم البشرية في العصر الحديث يقفز إلى الذهن قصص محددة مثل نكبة فلسطين، ومجازر الهوتو والتوتسي في أفريقيا، وقبلهما هولوكوست تقسيم شبه القارة الهندية، ومع قراءاتي ومتابعاتي كصحافي لأحداث شبه القارة الهندية بحكم تغطيتي المنطقة لفترة طويلة يظهر لي أن هولوكوست الشام ينبغي أن يضرب بعشرة أضعاف مما حدث في شبه القارة الهندية عام 1946، يوم رحلت بريطانيا عن المنطقة فحصل الاقتتال بين الهندوس والسيخ من جهة والمسلمين في المنطقة من جهة أخرى، لكن الفوارق كثيرة بين الحدثين، فبينما كان المستعمر يومها هو الذي وقف ظاهرياً على الحياد على الرغم من انحيازه للهندوس والسيخ، إلاّ أنه في الحالة الشامية قد دخل أكثر من محتل وغاز لحماية الديكتاتورية والاستبداد الأسدي في وجه ثورة شعبية عارمة تطالب بأبسط حقوقها وهي الحرية..
لقد تقاتل الأفرقاء في شبه القارة الهندية بعد أن حازوا على حريتهم، بينما المحتل في الشام تدخل لحرمان الشاميين من هذا الحق، وفي الوقت الذي اقتصر هولوكوست شبه القارة الهندية زمنياً على عام تقريباً امتد في الشام لثماني سنوات ولا يزال الجرح مفتوحاً بشكل كامل، بل ويهدد بفتح جروح اقليمية وربما دولية، فالجرح حين لا يتم مداواته ومعالجته سيتقيح وسيصيب القيح الجسم كله.
فعلى صعيد قتلى تقسيم شبه القارة الهندية قدر بعض المؤرخين العدد بأقل من مليون قتيل بينما ذهب البعض إلى تقديره بمليونين، وبعملية حسابية يتبين أن عدد القتلى في سوريا أكثر بكثير من قتلى تقسيم شبه القارة الهندية من حيث النسبة والتناسب، فعدد سكان تلك المنطقة يومها بلغ أكثر من 400 مليون نسمة بينما عدد سكان سوريا اليوم لا يتعدى العشرين مليون نسمة، وقد سقط فيها أكثر من نصف مليون على أقل تقدير، وما تردد عن حالات الاغتصاب والتعذيب والسجن، يفوق الحدث السوري ما جرى في شبه القارة الهندية، ولعل نظرة سريعة على 55 ألف صورة لقيصر سوريا التي وثق فيها جرائم فاقت النازيين والمغول والتتار تؤكد ما نقوله.
أما على صعيد الهجرة والتشرد فقد بلغ عدد مشردي الشام أكثر من 70% من الشعب وسط دمار بلداتهم وقراهم، في حين لم يتعدّ عدد المشردين في شبه القارة الهندية الخمسة بالمائة من عدد السكان، وقد تم استقبالهم من قبل حكومتهم إن كان الهندية أو الباكستانية ضمن مخيمات مخدومة، في حين رأينا كيف عاملت الحكومة من تصفهم بأنهم شعبها في سوريا، فجلبت لهم كل أشكال الاحتلالات المتعددة والجماعات الطائفية لقتلهم، وتفننت في قتلهم وحرقهم وتعذيبهم وذبحهم واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً مثل البراميل المتفجرة والكيماوي والكلور السام والقنابل الحارقة والنابالم والفوسفور، وغيره، بينما كثير من هذه الأساليب غابت عن هولوكوست شبه القارة الهندية.
الأسوأ من كل هذا أن يجد المشرد واللاجئ المعاملة العنصرية من قبل جيرانه، بينما قد كفلت له كل القوانين الدولية حقه في اللجوء هرباً بحريته وكرامته، ولكن مع هذا نجد المعاملة العنصرية التي تشمئز منها النفوس في لبنان تجاه اللاجئ السوري، بل ويُرغم لأول مرة على إعادته إلى قاتله وهو النظام السوري، معاملة لا تذكرنا إلاّ بما أُجبر عليه مسلمو بورما، للعودة إلى قاتلهم.
ليس هدف المدونة هو التقليل من هولوكوست شبه القارة الهندية، بقدر ما هو تقريب صورة هولوكوست الشام، الذي طال أمده، وفاق حتى نكبة فلسطين، فما جرى في ثماني سنوات بالشام لم يحصل مثيله في فلسطين على امتداد سبعين عاماً، فقد ترفع الكيان الصهيوني وداعموه على أن يأتوا بمثل ما جاءت به العصابات الطائفية وسدنتها المحتلين، ومع هذا فلا تزال الشام تقدم النموذج تلو النموذج على أنها ثورة استثنائية في بلد استثنائي يقطنه شعب استثنائي حسم خياره بالحصول على حريته ولو فني جميعاً.
Sorry Comments are closed