يبدو أن الاجتماع الثلاثي الذي سيعقد في إسرائيل في غضون هذا الشهر، ويشارك فيه كل من جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، ونيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، ومئير بن شابات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، سيكون من أهم الاجتماعات التي عقدت بشأن الصراع السوري، أو على الأقل بشأن تقرير وجهة هذا الصراع في المرحلة المقبلة.
ثمة أهمية خاصة لهذا الاجتماع تتأتى أولا من أن الطرفين الكبيرين، أي الولايات المتحدة وروسيا، يجتمعان سوية لأول مرة مع طرف إقليمي معين لمناقشة الشأن السوري، في حين أن الاجتماعات السابقة كانت تقتصر على أحدهما، فقط، مع طرف أو طرفين إقليميين، على غرار ثلاثي اتفاق أستانة مثلا، الذي يضم كل من روسيا وإيران وتركيا.
ثانيا لا تشارك إسرائيل في هذا الاجتماع فقط، إذ هي تستضيفه أيضاً، ناهيك أنها أضحت بمثابة ربطة العقد بين الطرفين الكبيرين والمقررين في الشأن السوري، ما يوحي بأن لها مكانة مركزية في هذا الإطار الثلاثي.
ثالثا هذه أول مرة تطرح إسرائيل نفسها بقوة، وبشكل علني، كطرف مقرر في الصراع السوري، بعد أن كانت في السنوات السابقة تحرص على ما تدعيه بالنأي بالنفس، رغم أنها كانت في الواقع بمثابة قطبة مخفية في ذلك الصراع، ثم تحولت، سيما في العامين الماضيين، إلى التدخل العسكري فيه، لتحجيم إيران وإبعادها عن حدودها.
رابعا يكتسب هذا الاجتماع أهميته، أيضا، من كونه يأتي في إطار المناخات أو الترتيبات التي تشتغل عليها الولايات المتحدة في المنطقة، سواء اسمها “صفقة القرن” أو أي اسم آخر.
وكما تعودنا في مسألة الصراع السوري، فمن الصعب التكهّن بمخرجات هذا الاجتماع، لأن ذلك يتوقف على مدى حسم الأطراف المشاركة فيه لمواقفها، سيما الولايات المتحدة بشأن استمرار الصراع السوري أو وقفه، كما بشأن شكل حله، لأنها وحدها القادر على فرض ذلك أو تقرير ذلك، ناهيك أن ذلك يتوقف على مدى قطع روسيا مع الوجود الإيراني في سوريا، أو الاشتراك في الجهد الدولي لتحجيمه أو إزاحته، وبالتأكيد فإن لإسرائيل كلمتها بهذا الخصوص.
ولفهم موقفيْ كل من إسرائيل والولايات المتحدة، باعتبارهما الأكثر انسجاما، والأكثر تقريرا بما يخص الوضع في سوريا، لا بد من التذكير بأن الولايات المتحدة كانت اشتغلت طوال الأعوام السابقة وفق إستراتيجية مفادها الحفاظ على ديمومة الصراع السوري، وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، وعلى أساس استدراج روسيا وإيران وتركيا للتورط في هذا البلد، ووضعهم في مواجهة بعض، وفوق هذا وذاك عملت كل ما من شأنه ضمان أمن إسرائيل، ويأتي ضمن ذلك سكوتها عن تدمير أو تفكيك هذا البلد، من ناحية المجتمع والدولة.
وللتذكير فإن القاعدة التي أسست عليها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما إستراتيجيتها تلك كان عبر عنها الصحافي المعروف توماس فريدمان صراحة، ومفادها “انتظار أن تحرق الحرائق نفسها فقط”، أي أن تستهلك القوى المتصارعة قواها. ويفسر فريدمان ذلك بقوله “إننا لا نستطيع أن نتدخل بشكل فعال في منطقة حيث القليلين جداً يتقاسمون معنا أهدافنا.. يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة الآن هي الاحتواء، زائد التعظيم.. لكننا يجب ألا نُحلَّ قوتنا نحن محل قوتهم. ينبغي أن يكون هذا نضالهم هم من أجل مستقبلهم” (نيويورك تايمز، 27 مايو 2015). وللمفارقة فإن هذا الموقف بالذات هو موقف إسرائيل، الذي كان عبر عنها المحلل الإسرائيلي آليكس فيشمان، بقوله “عرب يقتلون عربا، دعوا العرب ينتحرون بهدوء”. (يديعوت أحرونوت، 12 يونيو 2013)
الآن وبعد كل ما جرى، يبدو أن تلك الإستراتيجية استنفذت نفسها أو أدت أغراضها، بحيث آن وقت حصاد نتائج تلك السياسة، الأمر الذي يتطلب أساساً إعادة إيران إلى حجمها، بعد أن قامت بمهمتها، بغض النظر عن إدراكها لمخاطر الدور الذي لعبته خدمة لإسرائيل من عدم ذلك، بتقويضها الوحدة الدولتية والمجتمعية في المشرق العربي، وخاصة في العراق وسوريا.
وعودة إلى الاجتماع الثلاثي المفترض عقده قريبا، وبالنظر لفرادته وأهميته، لا يبدو غريبا أن يذهب المحلل الإسرائيلي المعروف تسفي بارئيل لاعتباره بمثابة حلف بين أميركا وروسيا وإسرائيل “يمكنه تحديد خارطة الطريق الجديدة بالشرق الأوسط”، مع اعتباره أن ذلك يتركز على تحجيم إيران.(هآرتس، 7 يونيو) وبحسب بارئيل فإن “هذه القمة حتى ولو لم تثمر عن نتائج فورية، إلا أنها توضح لإيران ودول المنطقة بأن محور روسيا- أميركا- إسرائيل، هو العرض الجديد والرسمي الذي يمكنه تحديد خارطة الطريق الجديدة في الشرق الأوسط”.
لكن هذا الاجتماع، يفترض منه تفحص مسألتين أساسيتين، أولاهما، حسم الولايات المتحدة لموقفها في الصراع السوري، وضمن ذلك استعدادها لتقديم جوائز معينة لروسيا في أكثر من ملف. وثانيهما حسم روسيا لموقفها في إزاحة أو تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا بما يتجاوب مع مطالب الولايات المتحدة وإسرائيل.
هل ذلك يعني أننا إزاء حلف ثلاثي جديد في الشرق الأوسط؟ وهل يفيد ذلك بانتهاء حلف أستانة الثلاثي الذي يجمع روسيا بكل من الطرفين الإقليميين الآخرين، إيران وتركيا؟ ثم ماذا عن مكانة تركيا في تلك المعادلة الثلاثية الجديدة التي نصّبت إسرائيل في مكانة مركزية على حساب الطرفين الإقليميين الآخرين؟
عذراً التعليقات مغلقة