البداية ليست بتلك الصعوبة، لكن التحدي في الاستمرار حتى النهاية، وكذلك كان الانخراط في صفوف الثورة السورية، فلم يكن الأمر مجرد قرار عشوائي كما حصل مع البعض من الانجراف مع التيار من دون معرفة أين يكون خط النهاية.
ولا بد لكل ثورة وحركة تغيير من رموز وأيقونات ترسم المسار وتجدد العهد وتشحذ الهمم حتى لا تنطفئ جذوتها، ويذكر التاريخ أشخاصاً كتب عليهم أن يكونوا منارات يهتدي بها العامة، وكأن ذلك من شروط نجاح أي ثورة، وعندما نقول أن فلان رمز من رموز الثورة فليس بالضرورة أن يكون قائداً عسكرياً أو بطلا في المعارك، فكم من فكرة وكم من كلمة وكم من شعار ما زال حتى الآن يرفع ويدرس في مدارس الثورة.
عبد الباسط الساروت لم يكن مجرد ثائر هتف ضد النظام، فمنذ أولى مشاركاته في المظاهرات وهب نفسه للناس وكتب عليه أن يكون الشرارة والصوت الذي وحد آلاف الأصوات، فأصبحت الرعب الذي دخل قلب كل مناصر للظلم؛ فما كان منهم إلا محاولة إسكات هذه الأصوات بالحديد والنار، هؤلاء الأشخاص لم تكن حياتهم ملكاً لهم بل اختاروا أن يشاركهم فيها الناس كلهم لأنهم أيقنوا أن الوصول إلى النهاية لا يكون إلا بالتضحية وقليل هم من يقبلون أن يكونوا جسراً للعبور، هذا الرجل لم يكن يطمح ليكون قائداً عسكرياً أو سياسياً، بل كل ما تمناه أن يرى سوريا محررة من الزمرة الفاسدة.
الثورة كانت تحتاج إلى أشخاص مثل الساروت ليس لشجاعتهم ولا لذكائهم؛ بل لقدرتهم على رص الصفوف وإبقاء تلك الشعلة متقدة، الساروت لم يكن ملكاً لحمص مسقط رأسه بل كان ملكاً لسوريا وثورتها، كان فكرة تناقلها الثوار في كل مظاهرة على الأرض السورية، فأصبحت كلماته أقوى من الرصاص وأناشيده تعلو فوق صوت طائراتهم ومدافعهم.
اليوم لا يحق لنا البكاء ولا يحق لنا القول إنك رحلت مبكراً، لأنك خرجت تطلب الشهادة وهي مكافأة تستحق أن تطلب، ورحيلك عن هذه الدنيا أشبه برحيل كل من بقي ذكرهم منهجاً ودرباً للأجيال القادمة. الثورة لم تنته بعد وكما أنجبت ساروتاً ستنجب آخر.
الساروت كان ليمونة ومحال أن ينتهي الليمون.
عذراً التعليقات مغلقة