الساروت وداعاً

حمزة المصطفى8 يونيو 2019آخر تحديث :
حمزة المصطفى

زفوه بثوب جديد شهيداً يوم العيد كما أراد. رحل الساروت اليوم بعد أن انقلبت جنان وطنه التي لطالما غنى لها وتغنى بها جحيماً بحمم قذائف المحتلين وخذلان الأقربين والأبعدين. الساروت حارس الثورة وقصتها المختصرة في انتصاراتها وانكساراتها، في سلميتها وتسلحها، في نكوصاتها وانحرافاتها، في طوباويتها وبراغماتيتها، في مقاومتها التي لا تلين ولا تتوقف رغم ضيق الأفق وانفضاض المؤمنين بها عنها.

جمع الساروت في شخصيته كل قيم النضال وأشكاله التي عرفناها. ابن الهوامش المفقرة لم يعرف اليسار ولا منظريه، لم يقرأ دراسات التابع وما بعد الكولونيالية، لكنه كان الصرخة الأبرز ضد المركز وتوحشه الاقتصادي والسياسي. في حمص يولد المرء مطيفاً بالضرورة، فالدولة هناك تحولت إلى طائفة تمارس طغمتها كل يوم سياسات إقصائية هوياتية تستهدف الآخر القريب في وجوده المتجذر بهدف اقتلاعه. في حمص كان الانفجار الطائفي حتمياً، لكن الساروت منعه أو أخره على الأقل. أغانيه الثورية مع فدوى سليمان كانت الرد الثوري على جرائم الخطف الجنسي الذي اعتمده النظام بشكل متبادل وسيلة لتأليب المدينة على بعضها. وجودهما معاً في المظاهرات كان ضمان العيش المشترك في وجه مقاطع الدعس والتقطيع بالمنشار التي اجتاحت المدينة آنذاك وأنهت فترة هي الأجمل في تاريخ سورية منذ وجودها.

حمل الساروت السلاح ومضى مقاتلاً ضد الظلم، اختار ـن يتماهى مع الثورة بتقلباتها فكان ابن الجيش الحر والفصائل الإسلامية بمشاربها الفكرية المختلفة. انتهج الساروت مؤقتاً نهجاً راديكالياً، عاشر النصرة وانتصر لها قبل أن يعاديها ويحاربها ويعود بعدها إلى إدلب بأغنياته الشهيرة وهتافاته المحفوظة وسلاح استقر مجدداً مع أبناء الجيش الحر الذين لم يفقدوا البوصلة رغم ضبابية المشهد. بهذه التجربة الطويلة، كان الساروت مثالاً شارحاً ونموذجاً واضحاً عن أن المرء لا يختار دائما ما يريد، وأن الميل للتشدد قد يكون نتيجة وليس غاية أو فكرة.

ببساطة، اختار الساروت مساره ومصيره، تخلى عن مكاسب مادية كثيرة ممكنة، عن شهرة محملة بنعوت الوطنية والإنجاز عن قلوب كثيرة خفقت للكرة لا للدم. كان زاهداً وصلباً كتشي جيفارا، مجنوناً بمنطق حساباتنا ومخاوفنا. لكن العظماء هم دائماً قدرهم أن يكونوا رموزا، وقدرنا نحن الضعفاء الجبناء أن نخلدهم رموزا لنا لنكمل حياتنا بهديهم.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل