“مخبر” بضم الميم وكسر الباء وليس “مخبراً” بفتح الميم وفتح الباء والفرق بينهما ليس بالكبير، فالأول ينبش في تاريخ الضحية الهدف ويبحث عن جينات المعارضة للسلطة لديه وكريات الاحتجاج البيضاء وفي dna عائلته، هل هي موالية للسلطة أم أن هناك طفرة جينية في العائلة، والثاني يبحث في جينات وكريات المريض.
الهدف الأول من أجل مصلحة الضحية وتقويمه حسب المقاس الذي فرضته السلطة وإعادة تأهيله فكرياً ونفسياً عن طريق إرساله لمصحات سلطوية تمارس عليه طريقة مبتكرة في العلاج تعتمد على سلخ الجلد لتنشيط خلاياه وتجديدها، وعلى العزل الانفرادي منعاً لعدوى الأفكار ومن أجل تصحيح الأفكار ومراجعتها، هو الهدف للثاني ذاته؛ حيث الهدف يتم عزله وإعطاؤه ماينشط أجهزته البشرية منعاً للعدوى.
صناعة المخبر بضم الميم أصعب بكثير من إنشاء المخبر بفتح الميم، فهي كعملية التركيب الضوئي (الكلوروفيل) تحتاج إلى ضوء الشمس وبيئة مناسبة وجذور وساق وأوراق، كذلك عملية صناعة مخبر تحتاج إلى عائلة يسكنها هاجس السلطة، ليس الوصول إلى السلطة ماعاذ الله، بل هاجس تملق السلطة والتمسح بها. تشكل هذه العائلة البيئة والجذور منتوج هذه العائلة هو بذرة قد تتحول إلى مخبر ناجح يستطيع اصطياد العينة وتمحيصها ووضعها تحت المجهر، ومن ثم إعطاء النتيجة النهائية لتحويلها إلى مصحات السلطة. شمس السلطة هي من تقوم بتشكيل هذا المخبر بضم الميم، وضم الميم ضروري هنا لإعطاء الشخص هويته الحقيقية.
في المدرسة تكون اللبنة الأولى في صناعته حيث يبدأ بإظهار مواهبه بالتجسس على رفاق الصف من أكل بسكوتة من ومن سرق محاية من. تتطور مهمته لاحقاً مع تقدمه في العمر ليصبح معاوناً لعريف الصف، فهو ليس العريف لأن العريف من صفاته الاجتهاد الدراسي أو التنمر وكلا الصفتين لاتتوفران في المخبر بضم الميم.
أما وظيفة نائب العريف فهي وظيفة هامة جداً، حيث يتجسس على أصدقاء الدراسة المراهقين ويخبر أستاذ التربية العسكرية بما يفعلون. يسرق رسائلهم الغرامية ويعطيها لمدير المدرسة، ينقل كل ما من شأنه أن يعكر صفو الصف بكل أمانة ووموضوعية، وفي الوقت ذاته يراقب أداء عريف الصف وكيفية تساهله مع أصدقائه وجميلات الصف. هنا تبدأ مرحلة صياغة التقارير وهي مرحلة مهمة في عمر المخبر بضم الميم، وهي ماسيحدد مستقبله ومكان عمله المستقبلي وهو غالباً مايكون متميزاً في مواضيع التعبير؛ خاصة تلك التي تتحدث عن إنجازات السلطة وبطولات القائد العظيم.
مرحلة التجنيد تأتي بعد ذلك حيث يتم فرزه حسب قدراته التي أثبتها على مدار تلك الاعوام. والفرز هنا مصطلح مجازي؛ إذ ليس هناك مسؤول مباشر عن المخبر بضم الميم في هذه المرحلة، بل يتنقل بشكل تطوعي من مكان إلى آخر حتى يجد نفسه في المكان الذي يحقق فيه ذاته ويرضي غرور موهبته، عندها فحسب نستطيع القول إن عملية التركيب الضوئي نجحت، وإن الرجل المناسب قد وصل إلى المكان المناسب، وإن دورة حياة المخبر بضم الميم قد وصلت إلى مرحلة العضو الكامل وأصبح قادراً على العطاء بكل ما أوتي من إخلاص.
عذراً التعليقات مغلقة