بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد طفت على سطح الإعلام العربي عبارة رددها كثيرون مفادها أن لا حرباً بلا مصر ولا سلاماً من دون سوريا، حسناً لقد فعلت العبارة فعلها في اللاشعور الجمعي العربي فقد وطنت اليأس بشكل قاطع في نفوس أعداء (إسرائيل) فمصر خرجت من المعادلة وسوريا غير قادرة لوحدها على الحرب. لم يكن المحللون السياسيون في تلك المرحلة على دراية مطلقاً بهوية الأنظمة العربية والجيوش العربية المصنعة أساساً وفقط لقمع الشعوب العربية كما سيتضح لاحقاً، في واقع الأمر ليس فقط المحللون السياسيون وأيضاً غالبية العامة والمثقفون من الناس لم يكونوا على دراية بهذا الأمر. وأما القلة القليلة من أصحاب البصيرة فقد كان يُنظر إلى تحليلاتهم على أنها تخاريف غيبية.
حسناً. إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحروب في المنطقة برمتها تنحصر بين إسرائيل وبين العرب على هامش القضية الفلسطينية التي تاجر بها كل الحكام العرب. فإننا نستطيع القول أن إسرائيل بجبهة وبقية العرب في الجبهة المقابلة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً أن إسرائيل قد استطاعت تدجين الأنظمة العربية إن لم نقل صناعتها بالكامل فهذا يعني أن أعداء إسرائيل هم الشعوب حصراً، وفي واقع الأمر لم تخش إسرائيل الجيوش العربية مطلقاً، وكل خوفها كان من هذه الشعوب ، وعلمياً الشعوب كتل عمياء لاتخضع حركاتها لمنطق رياضي يمكن التكهن به ولذلك لا يمكن ضبطها إلا بنظم دكتاتورية صارمة ولفترات زمنية محدودة وإن طالت في بعض الأحيان، وعندما نقول صارمة فهذا يعني تحويل أجزاء كبيرة من هذه الكتلة إلى أدوات تسهم مساهمة فعالة في عرقلة الحركة العامة للكتلة بحيث تبقى في دائرة الإذلال أطول فترة ممكنة، لكن في نهاية المطاف سيشكل تحرك هذه الكتلة خلخلة عظيمة لبنية النظام الدكتاتوري وستسقطه بكل تأكيد.
في هذه الحالة ما الذي يمكن أن تصنعه (إسرائيل) قائدة الجبهة الثانية وهي على قناعة تامة بضرورة تفكيك عدوها الأساسي. ستجيب دوائرها الاستخباراتية عن هذا السؤال الجوهري. كيف يمكن لنا أن نفتت شعباً كاملاً؟ لقد سبق وأن كانت تجربتهم مع الشعب الفلسطيني سنة 1948 تجربة ناجحة ساعدهم في ذلك حكومات العالم والأنظمة العربية قاطبة، إن لم يكن بشكل مباشر فبأشكال مختلفة، وساعدهم على ذلك أيضاً ضعف الدول العربية وانتشار الجهل فيها. فإذاً أمام انتفاضة الشعب السوري في 2011 كانت إسرائيل أمام لحظتها التاريخية المنتظرة ساعدها المدعو أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وقائد حركة ( أصدقاء سوريا ) بتصنيع حالة الحرب الدائمة وإبقاء الوضع في إطار اللامنتصر ومنذ بداية الحل العسكري التي قادها بداية بشار الأسد بدأت تظهر ملامح التجريف البشري بغية تحويل الأكثرية إلى طائفة بداية في ريف درعا والآن في إدلب مروراً بكل المناطق التي ركبت الباصات الخضر باتجاه الشمال ، وكانت الفصائل الإسلامية والدول العربية الداعمة لها خير عون وسند لبشار في تنفيذ هذا المخطط، فتحت الأردن ولبنان وتركيا والعراق بشقيها العربي والكردي الحدود واستقبلوا المهجرين قسراً بفعل الصواريخ والبراميل المتفجرة ونيران الميليشيات الإيرانية، وفي المقابل تم على الأرض اختزال الثورة بكلمة المعارضة واختزال الثوار بمصطلح المجاهدين حيث تم تهميش كل صاحب فكر وموقف نظيفين وإفساح المجال لكل إمعة أن يقود فصيلاً أو حركة، واستطاعت المنظمات الإغاثية ربط المواطن البسيط بسلة الإغاثة كي يسهل عليه التخلي عن أرضه في ظل انعدام الأمن والأمان على مستوى الجسد وعلى مستوى الغذاء. وتحول الصراع من صراع شعب مع نظام دكتاتوري إلى صراع دول تتقاسم الكعكة السورية فتركيا تريد حزاماً عربياً يفصلها عن الأكراد وإيران في مناطق سيطرتها تريد حزاماً شيعياً يفصلها عن السنة وروسيا تريد لقواعدها وشركاتها حزاماً أسدياً يفصلها عن السنة أيضاً وأضحت الأكثرية طائفة مثلها مثل بقية الطوائف بعد تهجير ما يقرب من نصف السكان تماماً وقتل أكثر من مليون إنسان وتدمير أكثر من 60 بالمئة من منازلهم.
المعارك الجارية اليوم في أرياف الشمال لا يمكن بحال من الأحوال تسميتها معارك فالمعركة تقتضي وجود قوتين متصارعتين أما على أرض الواقع فالقوتين هما طائرات روسيا والأسد من جهة والشعب الأعزل في البيوت من جهة ثانية وقد بدأت بسياسة الأرض المحروقة التي تشتهر فيها روسيا مبتدئة بالقرى القريبة والمدن بغية تهجير بقية الناس منها وقد تجاوزت طلعات الطيران فيها خلال شهر ونصف إلى ما يزيد عن ستة آلاف طلعة طالت خان شيخون والمعرة وسراقب وأريحا وقراهم، أما الجهة الوحيدة المحتملة للنزوح فلم يتبق غير مناطق اعزاز وعفرين وبقية المناطق الخاضعة للسيطرة التركية وذلك بعد طرد الكرد منها والاستيلاء على أرزاقهم.
بذلك يكون الشعب السوري قد لحق بأخيه العراقي في عملية التفكيك والوصول بهاتين الدولتين (سوريا والعراق) إلى مصاف الدول الفاشلة.
أمام هذا الوضع المؤامراتي ستجد من سيتنطع ويتهم هذه السطور بالوقوع في فخ نظرية المؤامرة مؤمناً تماماً أن الإمبراطور يرتدي ثياباً غاية في الجمال مكذباً عينيه التي تتمعن وتطيل النظر إلى عورته المفضوحة، مندهشاً في سره من طول خازوق سيده، وسيرسم أسفل البسطار سماء زرقاء وأشجاراً وأنهاراً، وينام مطمئناً تحت سقفه هذا مستمتعاً بتجانسه وذله وخنوعه. في الوقت الذي يضع فيه الإسرائيلي ساقاً على ساق مستمتعاً بإنجازه العظيم فقد استطاع أن يصنع شعباً متجانساً غير قادر على الفعل لمئة عام قادمة حيث تنتظره موجة عنف جديدة.
أما اليوم وفي ظل هذا الهولوكست الجاري في سوريا فأعتقد أن أي صورة حل لن تكون إلا بعد أن تصل أعداد المجنسين الجدد في سوريا نسبة وازنة عندئذ ستتدخل الأمم المتحدة وتوقف القتل وتُجري انتخابات نزيهة يفوز بها بشار الأسد لولاية جديدة…. عند هذه النقطة بالذات سيكون عدد شهداء سوريا قد اقترب من 2 مليون قتيل. و1مليون مفقود. و15 مليون مهجر حيث في هذه اللحظة فقط يخلو لكم وجه أبيكم وتنعم روسيا وحليفها بإعادة الإعمار.
Sorry Comments are closed