هل ضمرت مؤسسات الثورة الإعلاميّة؟

عمر الشيخ29 مايو 2019آخر تحديث :
هل ضمرت مؤسسات الثورة الإعلاميّة؟

منذ بداية الثورة السّورية عام 2011، والرصد الإعلامي وتوثيق الأحداث ونقلها إلى العالم على الهواء مباشرة كان من أكثر التجارب الثوريّة الّتي نمت بين الشعب السّوري، لأن التعتيم كان أحد أشكال القتل الاجتماعي للحريّات السّياسيّة وانتهاك حقوق السّوريين منذ نصف قرن على يد النظام الحاكم.

لقد تربّت الوجوه الإعلاميّة والأصوات الصحفيّة في الميدان، ولم تكن تحتاج إلى جامعات ومعاهد شبيبة الأسد أو إلى موافقاته الأمنية من أجل نقل الحقيقة، بل بادرت بوسائل بسيطة إلى نشر الوعي الثوريّ واغتنام فرصة القول والتحرّر من عبوديّة وسائل إعلام الطاغية، سواءً عبر المدونات الإلكترونيّة أو نشر مقاطع فيديو للمظاهرات والتصريحات السّياسيّة الناقدة للنظام وجرائمه أو التواصل مع المحطات التلفزيونية لنقل الرسائل الصوتيّة والمُتابعات الميدانية اليوميّة، الأدوات كلها جاءت من صميم الفكرة والشّعار “حريّة للأبد”.

كانت صرخات القهر والخلاص قد جهّزت الطريق وانطلقت فكرة التحرّر إلى كلّ شيء في سوريا، وقد ذهب فداءً للفكرة مئات آلاف الشهداء الّذين علّمونا كيف ندافع عن بلادنا وخيراتها وعن حقنا في حياة كريمة، مهما طال الزمن تحت حكم العسكر والحزب الواحد، من السّياسيّة إلى الصحافة والمجتمع والأنشطة التربوية والتعليم وأحاديث المقاهي، وحتّى في عمق مؤسسات “الدولة الأمنيّة” كان ثمّة نبض للشارع والثورة: إنّه التغيير.

لقد لعب تأسيس المنابر الإعلاميّة الموالية للحراك الشعبيّ، دوراً مهمّاً في طرح عشرات المبادرات لتجريب قول الحدث حسب المعرفة الأولى غير المنتمية إلى النظام، الّتي وجدت نفسها في مواجهة تهديدات خطيرة بتصفية جسديّة لكلّ من يسير في دربها، وهذا ما أشار إليه بشار الأسد في أول “خطاباته”، حيث أكد أنّ من يصوّر المظاهرات وينشرها هو أخطر مِمن يحمل السّلاح (…)، ولذلك يعلم هذا النظام أنّ كشف وتوثيق لممارساته بحق السوريين هو أكثر ما يعنيه قبل وجود فصائل المعارضة المُسلّحة بتشكيلاتها وأجهزتها الإعلاميّة الموجهة لخدمة حضورها بعيداً عن الثورة في أحيانٍ كثيرة.

والنظرة الراهنة حالياً لمصير عشرات المؤسسات الإعلاميّة الّتي كانت قوية في مناطقها في الداخل السوري وتكتسب مصداقيتها من الشارع، تبدو خجولة لجهة البقاء والحضور، ذلك أنّ أغلبها قد أغلق أو توقف تمويله عندما انتقل إلى الخارج أو لأسباب أخرى! لم يعد هناك جمهور في حاجة إلى أخبار المناطق الّتي هُجّر أهلها وهي تحت يد النظام الآن، لأنّ كلّ ما سيصدر عن إعلام الأسد سيكون لخدمته وتضليل العالم.

واليوم مع تراجع حضور إعلام الثورة إلى منطقة البحث عن تمويل غير موجّه وإيجاد سياسة متفق عليها لخدمة الثورة والإيمان الواضح بضرورة نشر الحقيقة، من دون انحياز إلى الدول اللاعبة في الملف السّوري، يمكن طرح تساؤل عن سبب ضمور أغلب الإذاعات والمواقع الإلكترونية والصحف والمكاتب الإعلامية، والتّحول إلى منظومات إعلامية كبيرة كالأقنية والشبكات الإخباريّة السّياسيّة الّتي تدافع عن خط “الربيع العربي” بإنجازاته واخفاقاته، فبدت الصورة السّورية وكأنّها قد فقدت أشياء من خصوصية التجربة الثوريّة الّتي ما تزال تسعى إلى الخلاص، رغم الأخطاء العسكرية الكبيرة والارتهان للآخر- الداعم.

في اعتقادي أنّ المشكلة في غياب أغلب تلك المؤسسات اليوم، هي أنّها أنهت تأثيرها الفعلي بين الناس، ونشرت ما استطاعت من فكر وأخبار وتوثيق وربما تلويث حقائق، جعل الناس تفكر عشرات المرات قبل تلقي الأخبار من المنابر “الرسمية” أو “الدولية” إذ كان هناك محطات خارجيّة مأجورة لتوجّه النظام وتعد “خاصة” لكنّها تمرر سياسته الإعلاميّة، أصبح الشك لدى معظم السّوريين هو أساس اليقين والسؤال هو مفتاح البحث عن الحقيقة.

ظهرت أسماء سورية مُهمّة وتعد اكتشافاً في مواهب صناعة الإعلام الحرّ والمهنيّ، كما ظهرت أفلام توثيقية سينمائيّة عبرت إلى الثغرات الّتي أضعفت الثورة السورية وعالجتها في بعض الأوقات، وذهبت منابر كثيرة خدمت الثورة وما تزال إلى أمكنة قاسية ومواجهة خطيرة مع رهان البقاء، لكن مهما حاولنا فالدعم الجدي الّذي يخدم مصلحة سوريا حرّة في دولة القانون والتعددية السياسية، شبه مفقود، فهل يمكن التّكهن الآن بمصير بقاء إعلام الثورة موجوداً مع تقلّص مساحة سيطرة المعارضة على الأرض؟

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل