أوروبا تنأى بنفسها بعيداً عن الحرب الأمريكية- الإيرانية

زينة الحمصي18 مايو 2019آخر تحديث :
زينة الحمصي
العقوبات الاقتصادية تجعل الحياة في طهران أصعب- نيويورك تايمز

حرية برس- ترجمة زينة الحمصي:

توحّد الأوروبيون على معارضة ما يعده كثيرون جهوداً من جانب الولايات المتحدة لاستفزاز إيران للتورط في حرب، وذلك تزامناً مع ذكريات قوية عن الحرب الكارثية الاخيرة في العراق. في البداية، لم تكن حتى بريطانيا الموالية لأمريكا تتفق مع إدارة ترامب، حيث يدافع المسؤولون عن جنرال بريطاني كبير في التحالف الذي يقاتل الدولة الإسلامية، الذي قال إنه لا يوجد تهديد معزز من إيران في العراق وسوريا.

لكن هذا أدى إلى دحض أمريكي، وسرعان ما خفف الأوروبيون، الذين كانوا يترددون في مواجهة واشنطن مباشرة، الانتقاد. وتراجعت بريطانيا رسمياً قائلة إنها تتفق الآن مع الأمريكيين، بينما علقت ألمانيا وهولندا تدريب قواتهما في العراق، مشيرة إلى التحذيرات الأمريكية، وقالت ألمانيا لاحقاً إنها تخطط لاستئناف التدريبات.

وقالت “كوري شاك”، مسؤولة سابقة في البنتاغون تشغل الآن منصب نائب مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: “تعتقد كل حكومة أوروبية أن التهديد المتزايد الذي نراه من إيران الآن هو رد فعل على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية، ومحاولة لفرض الاستسلام الإيراني في قضايا أخرى”. وأضافت السيدة “شاك”: “إنّهم يعتقدون أنّ الولايات المتحدة هي المستفزة، كما أنّهم قلقون من أنّ الولايات المتحدة تتفاعل بشدة مع الإجراءات الإيرانية التي يمكن التنبؤ بها من أجل تقديم ذريعة لهجوم أمريكي على إيران”.

وقال “توماس فالاسيك”، وهو سفير سلوفاكي سابق لدى حلف الناتو، إن “الأمر بعيد كل البعد عن النقاش الذي سبق حرب العراق في عام 2003، وقسم أوروبا إلى قسمين. هذا هو حال الحكومات الأوروبية كلها التي تقول لواشنطن أنّ هذا محض جنون، ولا ينبغي أن نكون هنا، وإن حديثنا عن الحرب هو في الحقيقة خطؤكم”.

إنّ الأوروبيين محاصرون بين الرئيس ترامب وطهران، في محاولة للحفاظ على علاقات لائقة مع واشنطن، مع الالتزام بدعم الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي سخر منه السيد ترامب ثم تخلى عنه.

يقول كبار المسؤولين في الحكومة الأوروبية إنّهم يعتقدون أنّ “ترامب”، كما قال يوم الخميس، لا يريد حرباً كبيرة في الشرق الأوسط. لكنّهم يعتقدون أيضاً أنّ “بولتون” يريد حرباً. وكثيراً ما يستشهدون بمقال رأي في صحيفة “نيويورك تايمز” لـ “بولتون” نشر في عام 2015، بعنوان “لوقف قنبلة إيران، اقصف إيران”.

ويشعر المسؤولون الأوروبيون بالحيرة لإصرار “ترامب” على أنّه يريد ببساطة إجبار إيران على الدخول في مفاوضات جديدة. لماذا سوف تتنازل طهران، التي يرى زعيمها الأعلى أن واشنطن تمتلك معايير مزدوجة على الدوام، أو حتى تقدر أي صفقة يتم التوصل إليها مع الرئيس الذي تخلى للتو عن صفقة نووية تم التفاوض عليها بشكل قاسي مع آخر رئيس أمريكي؟

قالت السيدة “شاك”: “لماذا يثقون بنا الآن بعد أن سحب ترامب آخر شيء تفاوضوا عليه مع واشنطن؟”.

لقد كان الموقف العلني للمسؤولين الأوروبيين هو حث “أقصى درجات ضبط النفس”، على حد تعبير رئيس السياسة الخارجية الأوروبية، “فيديريكا موغريني”. لقد كان ذلك بمثابة سلسلة من سياسات واشنطن المعلنة المتمثلة في “الضغط الأقصى” على طهران، بما في ذلك تكثيف العقوبات الاقتصادية المصممة لمنع تجارتها الدولية، وخاصة في مجال النفط ، التي يعتمد عليها الاقتصاد. وقد تحدث وزراء الخارجية، بمن فيهم وزير الخارجية البريطاني “جيريمي هانت”، والألماني “هايكو ماس”، عن مخاطر التصعيد والحرب غير المقصودة.

قال السيد “هانت”: “نحن قلقون للغاية من خطر حدوث صراع عن طريق الصدفة مع تصعيد غير مقصود”. كما أخبر السيد “ماس” المشرعين الألمان أن الضغط الشديد على إيران يزيد خطر التصعيد غير المقصود، قائلاً: “إنّ ما حدث في الأيام الأخيرة، من أعمال تخريبية ضد السفن أو خطوط الأنابيب، مؤشرات على أن هذه الأخطار ملموسة وحقيقية”، في إشارة إلى التقارير التي تفيد بأن أربع سفن نفط تعرضت للهجوم مؤخراً عند مصب الخليج.

في حين أنّ هناك مشككين من البداية من التحذيرات الأمريكية من تهديد متزايد لقواتها من جانب إيران وحلفائها، فإن معظم المسؤولين الأوروبيين يقبلون الآن المخاوف الأمريكية، مع أنّهم يرون أن الرد مبالغ فيه واستفزازي.

وقالت السيدة “شاك” أنّ ردود إيران على الضغوط الأمريكية تنبأ بها البنتاغون ومنظمة قيادة القوات المسلحة ووكالات الاستخبارات الأمريكية، “لذا فإن الأوروبيين يشعرون بالغضب من أنّ الولايات المتحدة تريدهم أن ينسجموا مع السياسة التي يعتقدون أنها خاطئة، ومع العواقب التي أخبروها هم والبنتاغون والمخابرات الأمريكية أن إدارة ترامب ستنتجها”.

ووقالت السيدة “شاك” بالإضافة إلى آخرين إنّه لا ينبغي أن يفاجأ أحد أن إيران ستستخدم نفوذها الخاص، بما في ذلك إعادة تشغيل تخصيب اليورانيوم (الذي ما يزال ضمن حدود الاتفاق النووي)، وميليشياتها ووكلائها ونقل الأسلحة، في داخل المنطقة للرد على واشنطن بطريقة غير متماثلة.

وقال “جيريمي شابيرو”، وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية يشغل الآن منصب مدير الأبحاث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “ربما وقع الإيرانيون في فخ واشنطن المتشدد. إنّ إيران كالمعتاد ترسل رسائل وتصعّد في كل مرة عن طريق الوكلاء. يتمتع الإيرانيون والمتشددون الأمريكيون بفاعلية سامة ويتغذون من بعضهم البعض. ”

يتجذّر جزء من شكوك أوروبا في حرب عام 2003، عندما كانت هناك اتهامات بمعلومات استخبارية وهمية أو مبالغ فيها، ما تزال تطارد سمعة الزعماء الأوروبيين الموالين آنذاك، مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق “توني بلير”، ورئيس بولندا السابق “ألكسندر كواسنيفسكي” من بولندا .

قال السيد شابيرو: “لقد أُعدِم كل سياسي أوروبي يدعم ’جورج دبليو بوش’. حتى في المملكة المتحدة، من المستحيل أن يحدث ذلك مرة أخرى. إذا كانت سياسة الولايات المتحدة هي القوة، فلن يكون هناك دعم أوروبي.”
لكن إدارة ترامب، التي توترت بالفعل علاقاتها مع أوروبا بشكل سيء عن طريق خطوات أحادية الجانب بشأن التجارة والعلاقات مع إسرائيل وروسيا، ناهيك عن إيران، ربما لا تهتم كثيراً بما يعتقده الأوروبيون.

وقال السيد شابيرو: “لا أحد في الإدارة يتوقع قدراً كبيراً من مساعدة من أوروبا في هذا الخصوص”، وأشار إلى أنّ وزير الخارجية “مايك بومبيو” بذل جهداً للوصول إلى بروكسل والتحدث إلى وزراء الخارجية الأوروبيين بشأن إيران والتقييمات الأمريكية للتهديد المتزايد. وبالنسبة إلى مناقشات الإدارة الداخلية، ستؤخذ وجهات النظر الأوروبية في الاعتبار، كما قال السيد “شابيرو”.

وقال: “إذا كان هناك دعم ضمني أو حتى امتناع عن التصويت، فقد يكون ذلك مفيداً في المناقشات الداخلية، على سبيل المثال الحلفاء معنا أو ضدنا”.

ينظر المسؤولون الأوروبيون إلى النقاش الدائر في واشنطن حول إيران على أنّه لن ينتهي قريباً، ويرغبون في بذل قصارى جهدهم، كما قال أحد المسؤولين، لدعم السيد ترامب في إحجامه الواضح عن إشراك أمريكا في حرب فوضوية أخرى في الشرق الأوسط.

المصدر نيويورك تايمز
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل