الداخل السّوري وأزمة التواصل

عمر الشيخ12 مايو 2019آخر تحديث :
الداخل السّوري وأزمة التواصل

يُعاني المشهد الداخلي السّوري من احتقانٍ كبيرٍ وفوضى اجتماعيّة وأمنيّة تتضاعف مع ازدياد هيمنة الميليشيات والدول الحليفة لأطراف الصراع الراهن، ولا تكاد تهدأ ظاهرة لإشغال الرأي العام عن مُعاناة المدنيين الّذين يسقطون بشكل مستمر، ضحايا التعامل المُمنهج معهم على أنّهم مُجرد أوراقٍ سياسيّة، حتّى تزداد فاتورة العنف الّتي فرضها نظام البراميل.

ومثال على ذلك الوضع حاليّاً، التقدم الخطير في ملف المناطق العازلة المزعومة، الّتي أبرمت كلّ من “روسيا وتركيا وإيران” اتفاقاً بشأنها. ويبدو أنّ نتائجها الحقيقيّة تظهر الآن؛ فلا نقاط المراقبة التركية تقدم شيئاً للمدنيين، ولا يتم الاقتراب منها عسكريّاً، ولا فصائل المعارضة المسلّحة تعلم ما هو مصيرها المقبل أو كيف تتحرك. بينما تبقى سياسة الأرض المحروقة هي الخارطة الأوضح لغارات الطيران الحربي فوق رؤوس المدنيين منذ أيام.

ولعلّ المثير للألم بحق أهلنا في الداخل السّوري، هو أنّ بعض زعماء العالم يصرّحون فيما بعد أنّ العمليات العسكريّة الّتي تقسم نقاط نفوذ الدول المحتلّة هي عمليات “محدودة”، حسب ما أشارت إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى تأكيدات الروس بشأن قصف أرياف حماة وإدلب واللاذقية وحلب منذ أيام على أنّها “عمليات عسكرية محدودة”.

قد لا يجد البعض نفعاً لرثاء الحال الّتي يعيشها أهل الداخل السّوري وعدم معرفتهم ما يفرضه أمراء الحرب من موتٍ وتقسيمٍ وقصفٍ وتدمير يطال مناطقهم وحياتهم، إلاّ أنّ استمرار القول وكشف زيف العمل السّياسي المأجور للمعارضة والموالاة، يشير إلى منطق غير مفهوم يجهل كيف تشتعل المعارك وتسقط المناطق تباعاً وصولاً إلى صفقات الخروج الآمن للعسكر وترك الأهالي لمصير مجهول.

ومن هنا يجب الاشتغال بشكل مباشر مع الداخل السّوري على مختلف الصعد السّياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والتنمويّة، برعاية دوليّة وفق برامج عمل واضحة للعالم لإنقاذ من بقي في الداخل السّوري، ودفعه إلى التواصل المشترك مع السّوريين في الخارج وبالعكس، في محاولة لكشف ما يحاك لهم على الأقل.

ولا بد من إعادة ترميم مفاهيم المواطنة والحريّة والعدالة وأسس فصل السلطات والتعدّديّة السّياسيّة واحترام المعتقدات والأديان، بشكل آمن يضمن وصول الأفكار ونشرها على نطاق واسع، لأن الموجهة الحتميّة مع العقول الّتي زرعها النظام في مفاصل البلاد وما تزال تتكاثر في هيئة معارضة وجهاديين (…)، ومكافحتها تحتاج إلى معرفة سياسيّة جادة ودفاع إعلامي وواقعي عن الحقوق، وهنا يأتي السؤال كيف سيتم ذلك ومخابرات الأسد أو مخابرات المعارضة في كلّ مكان؟

يرى البعض أن نشر أي نص لكاتب من الداخل السّوري في منبر ما، هو نوع من التطبيع مع الموالاة في الداخل (…) وذلك ما كنت أعاني منه شخصياً في عام 2012 في دمشق، حين أطلق أحد “الشّعراء” توصيفاً عنصرياً على من هم في الداخل على أنّهم تحت “يد النظام”، لينسف أيّ اعتبار وخوف على حياة مئات آلاف يؤيدون الثورة، ولكن ليس في يدهم خيار سوى العمل بصمت وبطء، وما يزال ذلك التفكير مسحوباً إلى هذه اللحظة لتفرقة هذا الشعب وعزله وتوزيع شهادات التّخوين عليهم، فإمّا أن يموتوا فداءً لثورة لم تعتمد قيادة موحدة حتّى اليوم أو هم متهمون بالعمالة للأسد!

إنّ أشكال النضال من أجل الحريّة والكرامة يفترض بها ألاّ تجعل أصحاب النّفوذ العسكري والقوّة يجرّون المدنيين أو العسكريين إلى معارك غير متكافئة، سواءً بالسلاح أو الكلمة، لأنّ الثمن هو حياتهم. من يحمل بندقيته يستطيع التحرك كما يريد، وهنا ما الّذي زرعته الثورة من تجارب تهجير من دون تنبيه النّاس إلى خطورة الخطوات المتفق عليها مع الخصوم في مناطق بات فيها القرار للعصابات، كما شاهدنا في المناطق معظمها الّتي حكمتها الفصائل العسكريّة المعارضة.

باعتقادي أنّ ضرورة كسب الداخل السّوري المتبقي، المحافظ على التأثير الشّعبي وتصحيح وعيه، هو أهمّ بكثير من رصد أخبار اللاجئين السّوريين حول العالم الّذين ربّما لن يعودوا في المدى القريب المنظور إلى بلادهم، أو توجيه الانتقاد إلى أداء النظام السوري واستهلاك مساحاتنا كلها لأخباره ومصالحه، إذا كنّا أصلاً قد اتفقنا أنّه سبب دمار سوريا، وثمّة ما هو أهم بكثير.

هل يمكن أن نعمل على حلول أزمات التواصل مع الداخل السوري في كلّ القطاعات والأقاليم والمدن وتحت أيّ سيطرة كانت، ليدركوا على الأقلّ مدى التغييب الّذين يعانون منه اليوم، ونحن نراقب من الخارج ذلك الموت كله بعجزنا المباشر، وليس في عقولنا إلاّ أنّ نفكر معهم بسوريا مستقلة موحدة وحرّة من دون طغاة ونتواصل معهم لأجلنا معاً.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل