مع إعلان نظام الأسد بدء حملته العسكرية على ما تبقى من مناطق تحت سيطرة الثوار، تكون المؤشرات قد بيّنت من دون أي شك وجود خارطة سياسية دولية متفق عليها، تنفذها أذرع الدول الراعية هذه الاتفاقيات التي ليس في مضمونها ما يدل على مصلحة الشعب السوري.
ومع انحسار سيطرة الثوار في بقعة جغرافية ضيقة في الشمال، أصبح التدخل الخارجي ذا تأثير كبير وواضح وسريع النتائج، ورغم صغر المساحة المختلف عليها، إلا أن فاعلية السيطرة عليها كبيرة درجة أنها قد تغير موازين الصراع. وحسب بعض المحللين فإنه بعد ثماني سنوات من “الصراع على السلطة” في سوريا، بات الأمر اليوم أكثر تعقيداً بفضل زج كثير من اللاعبين على الساحة السورية، واتباع بعضهم أسلوب إلغاء الطرف الآخر، ما يجعله سهل الانقياد لتوفير الشروط التي من شأنها تحقيق غاياته، وبالتالي تنفيذ المخططات، من دون الرجوع إلى البعد التاريخي الذي قد يتأتى منه.
وخلافاً لهذا الرأي، الذي كان أقرب للواقع لو أنه تحدث عن السنوات الأولى في الثورة السورية مع ظهور التنظيمات المتشددة، أما اليوم فلا يمكن القول إن تعدد الجهات المتبوعة والتابعة دليل على تشابك الأهداف وعدم وضوح الرؤية، بل إن الأمر أصبح عبارة عن مسارات مرسومة للأطراف كلها، ولا يحتاج الأمر إلا إلى السير عليها، وأي خروج عن المسار المحدد سواء من الدول الداعمة أو الأطراف المدعومة سيفرض استعمال طرق الضغط والتهديد الصريح أو الضمني للعودة إلى المسار المحدد.
والنظرة العامة للوضع الراهن تدل على أن روسيا هي من تمسك بخيوط الحل في سوريا، سواء من جهة وقوفها مع النظام بقدراتها كلها، أو عن طريق الضغط على الدول الداعمة للثورة السورية، ولذلك فإن روسيا لن تقبل بأي حل من شأنه أن يظهرها دولة خاسرة، وكل ذلك سيكون في مصلحة نظام الأسد الذي وجد في الغطرسة الروسية والحقد الإيراني أدوات فعالة سهلت تعاونه معهما بسهولة تامة.
والظاهر أن تركيا قد سئمت لعب دور الدولة الوحيدة الحاضنة للشعب السوري، وبدأت في أخذ دور الوسيط المنحاز إلى الجهة الأقوى وهي روسيا، وهذا الأمر قد لا ينافي العدالة إذا ما بحثت الدولة عن مصالحها، ولكن عندما تنصب جهة ما نفسها راعياً وحامياً طرفاً ما، فإنه من واجبها أن تقدم ما في وسعها لإظهار هذا الوجه، أو أن تعلن صراحة أنها غير قادرة على القيام بواجبها.
والحقيقة أن أي حل قد يأتي من جانب روسيا لن يقابل بالرضى من الشعب السوري، ليس لأنها طرف محتل ومشارك في قتلهم، بل لأن كل حل تقدمه لا بد أنه سيكون ترسيخاً لوجودها واستمرارها في احتلال سوريا، وهي إن قبلت التخلي عن رأس النظام فلن ترضى بوجود بديل يرفض وجودها. أما بالنسبة إلى النظام الحالي فلا يمكن أن يكون جزءاً من أي حل مستقبلي لسبب بسيط؛ وهو أنه هزم من طرف الثورة، وأنه وغير قادر على إعادة صياغة نفسه من جديد، وبمجرد تخلي الدول الداعمة له عن حمايته سيكون عليه إعلان هزيمته فوراً.
Sorry Comments are closed