إذلال السوريين.. كيف تدمر روسيا المعارضة السورية عبر إعادة اللاجئين؟

محمد علي النجار3 مايو 2019آخر تحديث :
إذلال السوريين.. كيف تدمر روسيا المعارضة السورية عبر إعادة اللاجئين؟

يبذل الروس المستحيل لتطبيق خطة إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة الأسد، فماذا يجنون من ذلك وما هي أهدافهم القريبة والبعيدة؟

فوائد كثيرة سيجنيها بوتين والأسد من عودة اللاجئين، ومن أهمها بحسب المحللين إعادة تأهيل نظام الأسد بعض أن قامت التنظيمات المتطرفة بالخطوة الأولى من عملية التأهيل الآثمة هذه، فمن خلال تواصل الروس مع أوروبا وتنسيقهم مع الأسد لإعادة اللاجئين يكون الروس قد أعادوا حرارة العلاقات بينهم وبين الأوروبيين من جهة، وأوجدوا مبررا لفتح علاقات جديدة مع نظام الأسد.

الرأي العام الأوروبي متضايق بشكل أو بآخر من سياسات حكوماته في توطين ملايين اللاجئين ويحتاج إلى عود ثقاب ليحول ضِيقَه إلى انفجار، وقد قام الروس بحملة إعلامية كبيرة تستهدف جذب تعاطف الأوروبيين المعارضين لمنح حق اللجوء للسوريين الهاربين من جحيم الحرب التي يشنها الأسد والروس والإيرانيون عليهم، ومنذ إطلاق روسيا حملتها لإعادة اللاجئين تحاول تسويق خطتها وتجييش الرأي العام الأوروبي واليمينيين بشكل خاص باتجاه الضغط على حكوماتهم للتعاون مع الروس في تنفيذ خطتهم.

إن الأمم المحتلة تحاول أن تكسب منفردة وإذا وجب عليها أن تخسر تحاول أن تورط غيرها ليشاركها في خسارتها، وليس الروس بدعا من الأمم التي تستمرئ الاحتلال واستغلال الآخر فقد مارسته لأكثر من مائة سنة في بلاد تركستان، وهي اليوم قد كسبت منفردة في سوريا بسيطرتها على الساحل بملاحته وطرقه التجارية والعسكرية وعلى الداخل بنفطه وغازه وفوسفاته، ولكن عندما وصل الأمر بها إلى مرحلة الإعمار ودفع النقود حاولت أن تشرك الأوروبيين واستخدمت الرأي العام العالمي لفرض رؤيتها وخططها عليهم.

من أهم الأهداف التي يتطلع إليها الروس من خلال حديثهم عن ملف الإعمار وإعادة اللاجئين محاولة طمس جرائمهم التي شردت ملايين السوريين وقتلت آلاف المدنيين الأبرياء، والظهور أمام العالم بمظهر حامي الاستقرار الإقليمي وداعية الفضائل الإنسانية، في حال أنه لم ينكب شعبنا بأحد كما نكب بالروس وأجرائهم. أما نظام الأسد فإنه سيحقق من ذلك علاوة على إعادة فتح العلاقات مع الأوروبيين ودول الجوار التحكم بأكبر عدد ممكن من السوريين في حال جرت انتخابات في سوريا، فكل من يعيش في مناطق الأسد من الأحياء والأموات ينتخب الأسد كما يعرف السوريين.

ولكن ثَمة هدف هو الأبعد والأسوأ والأكثر فائدة لنظام الأسد فما هو؟ كسوري معارض أعيش في الخارج أنظر إلى الأمر من زاوية التجربة السورية الخالصة.. ومن أهم الغايات التي سيحققها الأسد من برنامج إعادة اللاجئين تدمير المعارضة ليبقى نظامه وحيدا في الساحة بلا منازع، ومن خلفه الروس حكاما لسوريا لا يعارضهم فيها أحد. فكيف سيتم له ذلك؟ وما علاقة إعادة اللاجئين بتدمير المعارضة هذا ما سأعرض له في السطور القادمة. إن إعادة اللاجئين على الطريقة التي يريدها بوتين يعني ذهاب جهود شعبنا في محاربة الظلم والاستبداد هباء، والذهاب بشعبنا إلى أحقاب جديدة من المآسي والآلام التي لن تمحوها عشرات السنين. منها:

إذلال السوريين

إن خطة بوتين تعني عودة السوريين إلى حياة الذل والمهانة التي عاشوها في فترة الأسد الأب والابن، وهناك عدة دول مجاورة لسوريا أو حتى غير مجاورة تضطهد اللاجئين السوريين وتمعن في إذلالهم بغية إجبارهم على العودة إلى أحضان الأسد، وقد كانت لبنان بوابة الخطة الروسية إذ قام حلفاء الأسد في لبنان بالضغط باتجاه قسر اللاجئين على العودة. يعيش كثير من اللاجئين في هذه الدول في أوضاع مأساوية تترد فيها نفس اللاجئ المسكين بين الاستسلام للموت والرغبة في الحياة، ويظل يهذو بما فرضت عليه السياسات الآثمة من خيارات مرة، فيقنع نفسه بالعودة وهو يقول: موت مؤجل خير من موت معجل في مخيمات محاصرة لا عمل فيها ولا غذاء ولا دواء، واحتمال النجاة من مخالب مخابرات الأسد المسعورة -على ضآلته- أفضل من موت أطفالي جوعا ومرضا أمام ناظري.

تجريد المعارضة السورية من حاضنتها

إذا تم للروس إعادة اللاجئين فإن ذلك يعني تجريد المعارضة من الحاضنة التي تتواجد بينها، وهنا لا بد أن أقرر نقطة مهمة؛ كل تشكيل سياسي أو عسكري أو اجتماعي يتغذى من محيطه، بغض النظر عن حمل هذا المحيط لأفكار التشكيل أو التيار الذي يتواجد في وسطه، وهذا القانون يسري على معظم التشكيلات والحواضن ولا يعمها. والنظام اليوم يسعى لتجريد المعارضة السياسية من حاضنتها المكونة من اللاجئين، من خلال استقدام أكبر عدد ممكن منهم، وهم وإن لم يكونوا مؤيدين للنظام بالضرورة فسوف يغذونه من حيث يشعرون أو لا يشعرون عبر التحاق أبنائهم بالخدمة الإجبارية في جيش الأسد أو تكثير عدد المطيعين له وتقليل عدد المعارضين على أقل تقدير، أو انتخابه والتصويت لصالحه -خوفا- ضمن أي استفتاء قد يحدث يوما.

إعادة تشكيل الشعب السوري

عبر إعادة اللاجئين على دفعات يقوم نظام الأسد وحلفاؤه بإعادة تشكيل الشعب السوري وتصنيعه ليكون عجينة سهلة في يد الاستبداد الذي يحاول صبغ الحياة كلها بلونه القاتم، وهكذا لن يبقى للفكر السوري الحر أي تجمعات سورية يتطور من خلالها.

اغتيال قيادات المعارضة

أما السيناريو المر الذي يخشاه السوريون؛ فهو قيام المخابرات الروسية وعناصر الأسد بملاحقة رؤوس المعارضة في الخارج واغتيال قادتها. إن قيام الأسد باستعادة عدد كبير من اللاجئين سيسهل له عملية تحديد الأشخاص المعارضين لظلمه واستبداده عن قناعة وفكر وبالتالي سيسهل له ولروسيا القيام بتصفيتهم بشكل أو بآخر عبر عدة عمليات اغتيال وستدخل المعارضة في سبات عميق لا تفيق معه إلا على صيحات الجماهير المظلومة بعد ثلاثين سنة وهي تصرخ “يا حرية”. ما يفكر النظام بالقيام به اليوم قد فعل مثله سابقا في الثمانينات، قام الأسد الأب بملاحقة المعارضة في الخارج كما الداخل وتفتيتها، وأرسل عناصر استخباراته لتنفيذ عمليات اغتيال متعددة في دول مختلفة نجح بعضها وفشل الآخر، ولكنها كانت كافية لتحويل المعارضة في الخارج إلى جسد شبه ميت.

ما الحل؟

إن الحل يكمن بتثقيف شعبنا وتبصيره بما يراد به هذا أولا.. ثانيا، علينا أن نعرِّف أبناء شعبنا القريبين منا في بلاد المهجر ماذا يعني الوطن وما هي حقوقه علينا سواء كنا في الداخل أو الخارج عبر البرامج والمحاضرات المتخصصة، فإن ذلك أدعى لئلا يجعلهم أداة في يد طاغية مختل، فإنهم إن عرفوا حق الوطن عليهم سيكونون سدا منيعا في وجه الاستبداد وخططه سواء عاشوا في الداخل أو الخارج.

ثالثا، علينا أن نتحكم نحن بقضية عودة اللاجئين ويجب أن يعودوا لا ليخدموا الأسد ولكن ليقلبوا الطاولة عليه ويوقفوا أنهار القهر والدماء التي تتدفق من أجساد السوريين وأرواحهم. رابعا، يجب أن نستفيد من أعداد اللاجئين الكثيرة الموجودة في الخارج للتواصل معهم عبر تنسيقيات ومجالس محلية ترعى شؤونهم في كل مدينة أو بلد يتواجدون فيه، بغية تأهيلهم لخدمة الوطن والعمل على رفعته بما في ذلك تنظيم طريقة العودة إن أجبروا عليها، ومنعها من العشوائية التي لن يستفيد منها أحد سوى الروس والنصيرية والإيرانيون.

خاتمة

إن مخطط الروس في إعادة اللاجئين لم ينجح -ولو مؤقتا- في تحقيق أهدافه وقد مني بالفشل بسبب أمور عدة: الأول، انفلات فروع المخبرات السورية وقيامها باعتقال كثير من العائدين إلى سوريا. والثاني، سوء الأوضاع المعيشية في مناطق النظام بفعل الفساد الممنهج الذي يضرب مناطقه، وقد ازدادت الأوضاع سوءا بعد توقيع قانون قيصر وفرض عقوبات عالمية على نظام الأسد. إن هذا لا يعني الفشل التام لخطط الروس في إعادة اللاجئين، لا يعني استمرار فشلها في المستقبل، فمنذ وصول دونالد ترامب إلى هرم السلطة في أمريكا والتحالفات السياسية تتغير في الشرق الأوسط، وخلاف ترامب مع الروس اليوم قد يتحول إلى وفاق في الغد يكون السوريون فيه سلعة تباع في ساحة السياسة العالمية. قد تتغير الظروف وتجبر الدولُ السوريين على العودة، وإن الواجب علينا كسوريين تنظيم حركة المهاجرين في الخارج وتنظيمها بهدف تسخير طاقاتهم في خدمة الشعب والوطن ومنعها من التشتت والعودة إلى أحضان الديكتاتورية والاستبداد.

المصدر مدونات الجزيرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل