لم تسلم ألمانيا من الاكتواء بنار الإرهاب والعنف في الفترة الأخيرة، رغم التدابير الأمنية المكثفة التي اتخذتها السلطات عقب الهجمات التي ضربت فرنسا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وبلجيكا مطلع العام الحالي.
التفجير الإرهابي جاء في وقت تواجه فيه ألمانيا، وولاية بافاريا بشكل خاص، تداعيات الهجوم على مركز تجاري بمدينة ميونخ قبل ثلاثة أيام.
وتعرضت ألمانيا لأربع هجمات، بينما لم تؤد هذه الهجمات إلى وقوع قتلى وجرحى فقط، بل أعادت طرح قضية اللاجئين مع تعالي الأصوات التي تدعو للتشدد حيالهم وتعتبرهم تهديدا لألمانيا.
ووقع الهجوم الأحدث مساء الأحد في مدينة انسباخ جنوب ألمانيا، فيما قالت السلطات إن منفذه لاجئ سوري كان يحمل قنبلة، وأدى الهجوم إلى مقتله وإصابة 12 آخرين.
ووقعت ثلاث هجمات اتهم فيها لاجئون أو مواطنون ألمان من أصول مهاجرة، ورغم توجيه الاتهام بالتورط بالإرهاب إلى واحد منهم، إلا أن الخطاب الذي يعتبر اللاجئين تهديدا تصاعد في البلاد.
ألمانيا رحبت في البداية على المستوين الرسمي والشعبي باللاجئين القادمين من بلدان تسودها الاضطرابات، وانتهجت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين، لكن مع مرور الوقت بدأ الترحيب باللاجئين يخف شيئا فشيئا، مقابل تعالي الأصوات المناهضة للاجئين.
واستقبلت ألمانيا خلال عام 2015 نحو مليون طالب لجوء، إلا أن معدل دخول اللاجئين في الأشهر الستة الأولى من العام 2016 انخفض على نحو غير مسبوق، وجاءت هذه الأرقام قبل وقوع الهجمات الدامية في يوليو (تموز) الحالي، وذلك بفعل تغير سياسة ميركل تجاه اللاجئين؛ فسارعت إلى تشديد إجراءات قبول اللاجئين، ووقعت اتفاقا مع تركيا لوقف تدفقهم إلى أوروبا، وستصب الهجمات الأخيرة في دعم هذه السياسة.
شركة “ستراتفور” الأميركية المعنية بالشؤون الاستراتيجية والاستخبارية، قالت إن تداعيات الهجمات الأخيرة ستكون سلبية على اللاجئين.
وأشارت الشركة الأميركية إلى أن المتطرفين الألمان سيستغلون الهجمات الأخيرة وربما تشكل دفعا لهم، خاصة أنهم يعتبرون وجود اللاجئين تهديدا لهم.
ولا يوجد فضاء عام في أي مكان بالعالم يمكن أن نعتبره آمنًا، وعلى العكس من ذلك، فوتيرة تلك الهجمات آخذة في الارتفاع.
ووفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإنه يجب مواجهة ما لا يمكن مواجهته، كحل ضمن الحلول المطروحة لمواجهة شبح الهجمات الإرهابية، «ليس كل الهجمات يمكن إيقافها، هناك شيء واحد وهو زيادة الأمن بالموانئ والمطارات، وحتى هناك، حدثت هجمات على المطارات في بروكسل وإسطنبول مما جعل مثل هذه التدابير قليلاً ما تكون مضمونة، ولكن ببساطة ليس هناك طريقة لمراقبة كل محطة مترو، ومقهى وساحة عامة من برلين إلى هونولولول، ولذلك هناك شيء واحد مؤكد وهو أن هذه الهجمات ستستمر، وحتى لو افترضنا أن تنظيم “داعش” يمكن أن يهزم في سوريا والعراق، فمن المرجح أن يستمر صدى جهود التنظيم لجذب الناس عبر شبكة الإنترنت من أجل تنفيذ هجمات منفردة».
في ألمانيا، استغلت مجموعة “بيغيدا” المعادية للإسلام أزمة اللاجئين المتصاعدة في البلاد، وسارعت لتنفيذ مظاهرات كبيرة في دريسدن، وجذبت هذه الحركة مزيدا من الأنصار، كما أعلنت اعتزامها تأسيس حزب سياسي في البلاد.
وتضاف هذه المعطيات إلى أخرى سجلتها السلطات الألمانية بوقوع 1029 هجوما ضد مساكن اللاجئين خلال عام 2015، في وقت سجلت نحو 300 هجوم آخر في الربع الأول من عام 2016.
والهجوم الإرهابي في ميونخ، نفذه مراهق ألماني من أصل إيراني يدعى علي داود سنبلي (18 عاما)، حيث أطلق النار على المتسوقين داخل مركز تجاري، ثم أطلق النار على نفسه، حسبما قالت الشرطة الألمانية.
وقبل هجوم ميونخ بأيام قليلة، أسفر هجوم طالب لجوء أفغاني بفأس على ركاب قطار قرب مدينة فورتسبورغ، الاثنين الماضي، عن إصابة خمسة أشخاص على الأقل، وقتل الفتى البالغ من العمر 17 عاما، على يد الشرطة خلال فراره من مكان الحادث.
وكانت فرنسا في وقت سابق على موعد مع سلسلة هجمات متزامنة ضربت العاصمة باريس في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، أدت إلى مقتل أكثر من 130 شخصا، وتبناها تنظيم “داعش” المتطرف.
وفي 22 مارس (آذار) الماضي، هزت سلسلة تفجيرات مطار بروكسل الدولي ومحطة مترو مالبيك في العاصمة البلجيكية. ووقعت التفجيرات بعد يوم من إلقاء القبض على صلاح عبد السلام، المشتبه به الرئيس في هجمات باريس.
وبات من المرجح أن تغذي الهجمات الإرهابية الأخيرة على شاطئ البحر في مدينة نيس، وعلى متن قطار في ولاية بافاريا الحملات الحالية الداعية لرفض اللاجئين والمسلمين، وقد جعلت المخاوف منهم تزداد في أوروبا بسبب الهجمات الواسعة النطاق في أوروبا ككل.
ويعتقد 49% من السكان – في المتوسط – أن وجود عدد كبير من اللاجئين الفارين من دول مثل العراق وسوريا يشكل تهديدًا كبيرًا لبلادهم، ومتوسط أكبر من 59% يقولون إن اللاجئين سوف يزيدون من احتمالات الإرهاب في بلادهم، و43% في المتوسط لديهم وجهة نظر سلبية عن المسلمين في مجتمعاتهم.
وستكون الانتخابات المحلية في ألمانيا في سبتمبر (أيلول) المقبل مؤشرا على توجه الرأي العام الألماني حيال اللاجئين، مع اعتبار أن قضية اللاجئين صارت أكبر تحد يواجه ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ورأت الدورية الأميركية “ستراتفور” أن نتيجة الانتخابات ستكون حاسمة في سياسة حزب ميركل تجاه اللاجئين، فإن فازت فقد تدفعها إلى مزيد من التشدد حيال اللاجئين.
* نقلاً عن: “الشرق الأوسط”
عذراً التعليقات مغلقة