عائشة صبري – حرية برس:
يُعاني معظم السكان في سوريا من حالة ضيق في العيش منذ العام 2011 عندما واجه رأس النظام “بشار الأسد” مطالب شعبه المحقة بالعنف والحصار، وعاماً وراء عامٍ يزداد الحال المعيشي لدى غالبيتهم سوءاً، لا سيما القاطنين في مناطق سيطرة نظام الأسد.
وفي شهر “رمضان” المبارك، تكثر الأعمال الخيرية وأبرزها “وجبة إفطار صائم وسلة غذائية”، ومع توسع نطاق سيطرة النظام، وانحسار رقعة سيطرة المعارضة في الشمال السوري باتت الحملات تصبُّ في تلك المنطقة بعد أن كان الاهتمام مركزاً على المناطق المحاصرة من قبل النظام التي لم تعد كذلك، باستثناء مخيم “الركبان” المحاصر في البادية السورية.
ولا تزال العديد من عوائل الشهداء والمعتقلين والمفقودين تعيش تحت خط الفقر، وبحسب توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتقريرها الأخير منذ مطلع الثورة ولغاية منتصف نيسان/ أبريل الجاري، فإنَّ حصيلة الشهداء بلغت (198532) مدنياً بالقصف، و(14009) أشخاص تحت التعذيب، و(127916) شخصاً قيد الاعتقال في سجون النظام، و(82) ألف مختفٍ قسرياً، وقرابة (14.2) مليون نسمة بين نازحٍ ومهجر نتيجة هجمات النظام وحلفائه.
ومع اقتراب شهر “رمضان”، يحاول بعض الأشخاص مساعدة عوائل الشهداء والمعتقلين المتواجدين في مناطق سيطرة نظام الأسد، وليس في مناطق سيطرة المعارضة فحسب.
مبادرات لمساعدة عائلات “الثوار” في مناطق نظام الأسد
وقال الأكاديمي “محمود دياب” الذي طرح قبل أيام مبادرة على صفحته في فيسبوك تهدف إلى مساعدة عوائل الشهداء والمعتقلين المتواجدين في مناطق سيطرة النظام، لحرية برس: إنَّه “يوجد أكثر من سيناريو قاسٍ تعيشه آلاف العوائل في مناطق النظام، فمثلاً هناك الزوجة التي اعتقل زوجها ولم تستطع الخروج إلى المناطق المحررة، وذلك لمتابعة قضية زوجها المعتقل، وهناك زوجة الشهيد التي لم يبق لها مُعيل، فآثرت البقاء بمناطق سيطرة النظام على أن تعيش تجربة التهجير والنزوح دون معيل، وهناك آلاف الأيتام الذين بقوا مع أهل الأب أو أهل الأم لرعايتهم بعدما فقدوا الأب والأم أو الاثنين معاً”.
وأشار إلى أنَّه بالنسبة لهؤلاء جميعهم “لا يتلقون أيّة مساعدات”، والسبب الأول في ذلك برأي “دياب” أنَّ هذه الحالات الثلاثة “تُفضل الجوع والفقر عن أن تلفت نظر النظام لها في أيّة إشارة منها”. وأوضح، أنَّ الإفصاح عن وضع هكذا عائلات سوف يفتح عليهم باب التساؤلات والاستفسارات، وربَّما يتطوَّر ذلك إلى الملاحقات الأمنية، لذلك فإنَّ هذه الحالات “تُفضل الصمت ولا يدري بها أحد إلا على نطاق شخصي ضيِّق”.
وأفاد بأنَّ التفاعل مع مساعدة عوائل في مناطق النظام كان “خجولاً، ولا تُغطي إلا الجزء اليسير من العوائل التي أعرفها”، وأعاد السبب في ذلك إلى “النظرة السلبية الشاملة التي ينظرها الجميع لمناطق سيطرة النظام”، معتبراً أنَّ هذا “شيء غير صحيح، فليس من المعقول أن نُشيطن كلَّ من هم في مناطق النظام، فهناك الأحرار المغلوب على أمرهم، وهناك الأيتام والفقراء والأرامل، وهناك مثلاً العوائل التي تعيش في مراكز الإيواء، وفي مكاتب من غرفة واحدة، بالإضافة إلى حالات أخرى تتمثل في أنَّ ربَّ الأسرة لديه أولاده وأولاد شقيقه الشهيد الذي قضى في قصف النظام، وهذا المشهد موجود بكثرة في مناطق النظام”.
وفي السياق ذاته، يقول “سليمان الرجب” عضو مكتب مهجري حمص في مدينة عفرين: “أنا مؤيد لهذه الفكرة، ومن المشجعين لها، كون هناك عائلات كثيرة من ذوي الشهداء والمعتقلين لا معيل لهم، وهم عاجزون عن الإفصاح عن وضعهم مخافة السؤال عن سبب فقدان المعيل، وجمعيات النظام لا تُعطيهم أدنى حقوقهم، ولكن إن كانت العائلة فقيرة ولديها معيل فيتوجب عليها الخروج إلى مناطق سيطرة المعارضة للعيش هناك بدلاً من إذلال النظام لهم واستخدامهم كورقة دولية”.
وفيما يخص آلية مساعدة هذه الحالات، يُفيد “الرجب” بأنّها “دقيقة جداً وحساسة ولا يمكن أن تتم إلا على نطاق ضيّق من السرية، وتعتمد على عامل الثقة، وأحياناً يتم استئذان العائلة في غوطة دمشق الشرقية أو غيرها من مناطق التي خضعت لمصالحة، عبر الاتفاق على صيغة معينة للتأكد من وصول المساعدة”.
رأي مخالف
من جهته، يُخالف الشيخ “عبد الرحمن العكاري” رئيس الهيئة العامة لمتابعة شؤون اللاجئين السوريين في لبنان هذه الفكرة، بقوله لحرية برس”: إنَّ هناك عدة أسباب تجعله لا يؤيد الفكرة، أولها أنَّه “يصعب تحديد هوية الأرملة إن كان زوجها قتل مع النظام (شبيح) أو كان (شهيداً) في صفوف الثوار”.
ويُضيف “العكاري”: أنَّ “العائلة حتى لو كان معيلها شهيداً فنحن نضعها بدائرة الخطر والتعرُّض للاعتقال إن علمت العصابة الأسدية أنَّها تتلقى تمويلاً ودعماً من الثوار، بالإضافة إلى أنَّنا نُشجّع الناس على البقاء في مناطق الاحتلال الأسدي، فنكون بذلك نخدم العصابة خدمة مجانية في الوقت الذي هو يعمل على إعادة اللاجئين لكسب ورقة رابحة وهي أن الشعب يثق به ويعود تحت ظل حكمه”.
ويُوضح “العكاري” أنَّه “في خروج الناس وهروبهم من مناطق احتلاله هو إنجاز ونصر بالتأكيد لنا وإظهار النظام أمام المجتمع الدولي أنَّه لا طاقة له بتأمين أقل موارد العيش لشعبه، فضلاً عن وجود الكثير من العائلات في المناطق المحررة لا تصلهم أيَّة مساعدات وليس بالضرورة أنَّ الجميع يصلهم شيء”.
ولفت إلى أنّ تعميم الخير والمساعدات وعدم حاجة أحد في المناطق المحررة، هو “أكبر دليل على فشل عصابة الأسد، وستكون هذه المناطق حلماً لكلِّ شخصٍ في المناطق المحتلة التي يجب أن نستخدم الوضع الاقتصادي فيها كورقة رابحة لصالحنا لا أن نُخفف عن كاهل النظام، ثم لا عذر لأحد يبقى تحت سيطرته، فالذين خرجوا وتركوا منازلهم وأملاكهم هم وإياهم سواء”.
مناخ غير آمن
ويُشار إلى أنَّ نظام الأسد مطلّع على نشاط وأعمال الجمعيات “الخيرية” التابعة له وأبرزها الهلال الأحمر السوري بشكل كامل وتفصيلي، بالإضافة إلى فرزه مندوباً أمنيّاً مختصاً بمراقبة الحوالات المالية. كما أنَّ الأهالي لا يثقون بالهلال الأحمر وينظرون إليه نظرة ريبة باعتباره فرعاً أمنياً يتبع للنظام، ولذلك يصعب أن تتجرأ أم لأيتامٍ بالذهاب إلى الهلال الأحمر والإفصاح عن وفاة زوجها بقصف النظام أو على جبهة ضد جيشه.
وبحسب مصدر مطلع (فضَّل عدم الكشف عن اسمه) لحرية برس، فإنَّ أغلب الجمعيات الموجودة في مناطق النظام تُساعد العوائل فقط بترميم المنازل المدمَّرة نتيجة ما يُسمى “قصف العصابات الإرهابيَّة”، بينما لا يتم طرح موضوع العوائل المحتاجة على الإطلاق.
عذراً التعليقات مغلقة