التنازلات المعلنة التي يقوم بها نظام الأسد قد تكون بسيطة، إذا ما ظهرت تلك التي يقوم بها في الخفاء، فإن كان النظام قد استطاع خلال السنوات الماضية إيهام مواليه بانتصاره، فإن الأيام القادمة ستنسف كل مزاعمه، وسيجد نفسه مجبراً على إعلان هزيمته واسقاطها على “المؤامرة الكونية” التي مهد لها منذ البداية، وجعلها شماعة يعلق عليها هزائمه.
تمتلك سوريا كل المقومات اللازمة لجذب الدول ذات النفوذ، وإن كانت المقدرات الاقتصادية هي أهم ما تبغيه أية دولة، فلا بد أن يكون هناك سبب معلن يكون مقبولاً عموماً له الدور الأكبر في تسهيل سيطرة أية دولة على دولة أخرى، وهذا ما يتمثل بشكل واضح في سوريا، فدولة كإيران استخدمت صفتها “الإسلامية” في بداية تدخلها عسكرياً لمساعدة نظام الأسد بحجة حماية الأماكن المقدسة بمباركة دولية، ليظهر فيما بعد أن ذلك عبارة عن غطاء لتوسيع نفوذها وتفعيل الخط البري وصولا إلى لبنان.
ومن ناحية أخرى فإن إيران استطاعت بتدخلها في سوريا امتلاك ورقة رابحة في مواجهة التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، فأصبحت حاضرة في كل اتفاق من شأنه إيجاد قواعد جديدة تتحكم بمدى السيطرة والنفوذ لكل دولة، وليس منطقياً أن يكون هدف إيران الرئيسي غير المعلن هو زيادة عدد السكان الشيعة من خلال نشر التشيع في بعض المناطق السورية، وهذا ليس إلا ذريعة تلقى قبولاً عالماً للحفاظ على وجودها إذا ما تابعنا التصريحات الرافضة للوجود الإيراني، فهي بمجملها لا تتطرق إلى نشر التشيع وخطره بل تتعرض فقط إلى توسع نفوذها في سوريا، ولا يمكن أن يكون هناك هدف لدولة بتوسيع نفوذها في دولة أخرى دون أن يكون في الثانية ما يمكن الاستفادة منه.
كل ما فعلته إيران حتى الآن هو أنها وضعت ثقلها في بعض المناطق وخاصة الحدودية مع لبنان والعراق وهذا ما يدل على وجود مشروع اقتصادي مخطط له، تحاول تنفيذه من خلال شركات وأشخاص كواجهة لها باعتبارها دولة محاربة من الدول الكبرى، لذا فإن كل ما نراه من السيطرة الإيرانية هو عبارة عن مستثمرين يعملون لصالحها، بعكس روسيا التي لا تحتاج لإخفاء أطماعها بل وتؤكد ذلك علنا من خلال الاتفاقيات مع نظام الأسد والتي لا تخلو من وجود بنود تدل على أنها اتفاقيات جائرة بحق النظام مقابل بقائه في الحكم.
إيران عملياً لم تكسب الكثير اقتصادياً من وجودها في سوريا بسبب الحصار السياسي المفروض عليها والذي يمنعها من الحصول على مكاسب ضخمة تغطي الخسائر التي وقعت بها، وفي المقابل قد ينقلب السحر على الساحر، إذ إن استمرار الوجود الإيراني في سوريا مع التحديات الكبيرة التي تواجهها سيفرض عليها دفع مقابل، بالمقارنة مع روسيا التي تتمتع بسهولة الحركة والتصرف في السياسة والاقتصاد السوري بشكل أكبر وأصبحت تنوب عن النظام في كل شيء.
إن الصفعة الكبرى التي تلقاها النظام السوري جاءت من أقرب حلفائه عندما أظهر الحليف الروسي أنه غير مهتم بالأزمة الاقتصادية التي يمر بها النظام السوري بل وقد يساهم بشكل أو بآخر في هذه الأزمة أو الحصار المفروض عليها، إذ إنه ليس من المعقول أن تضع دولة كروسيا كل ثقلها السياسي والعسكري في سبيل المحافظة على شخص واحد كبشار الأسد يمكنهم استبداله بآخر أكثر وفاء وولاء.
الاستياء الذي بدأ يظهر لدى جمهور الموالين بفعل إقصائهم وحرمانهم من الاستفادة من نتائج الحرب التي شاركوا فيها، يؤكد أن روسيا لم تأت لتخرج صفر اليدين، وأنها وإيران لن تتخليان عن وجودهما حتى تتأكدان من الحصول على كل شيء ونهب كل ثروات سوريا.
Sorry Comments are closed