ضغط عيش مطّرِد وضيق نفس يخنق ربما أصبح سمة العصر أو وتيرة العَيش وخاصةً في مجتمعاتنا العربية، ولذلك فقد يجمعنا السؤال نفسه؛ ما السبيل إلى التخفف مما يثقلنا كله حتى نستطيع مواصلة المسير؟
لا غنى عن الترويح، ولا بديلَ عن استراحة المحاربِ التي تشحذ الهمم نحو مزيدٍ من الإنجاز وتحقيق الأهداف المطموح إليها. لكن علينا أن نتقن الترويح السليم حتى لا نقع في فخ اللهو المُبَعثِر.
اللهو المبعثِر
في البداية، يتسللُ إلينا من هذه الثغرة في نفوسنا المتعَبة التي تطلب المرح و الترفيه بكل براءة. نسمع تلك الترشيحات لهذا العمل الكوميدي وذلك المسلسل الدرامي الوطني أو التاريخي. نبدأ بسلاسةٍ التوجه نحو تلك الترشيحات. رويداً رويداً، نسعى إلى الترويح عن كواهل أثقلتها أعباءُ الواجبات وأحداثٌ خيبت الآمال.
ومن دون أن نشعر، تتسلل إلينا مبادئ تناقض قيمنا، ومحرماتٌ لم نظن يوماً أننا سنقع فيها، وأيضاً شبهاتٌ سرعان ما تجري في عروقنا كالجرعات المخدرة التي لا نجد لأنفسنا حيلة أمامها إلا الاستزادة منها كل ساعة، ثم ماذا بعد؟
احتلالٌ واستحواذٌ تامان على الشغف والتعلق والخواطر والرغبات حتى أنها تصير شغلنا الشاغل وجُلَّ رغبتنا، و بعد أن كنا نتخير ونبحث عن الأقل ذنباً والأكثر احتراماً، لم نعد ننتبه إلى مثل تلك الأمور من الأساس.
أين ضاع قلبي؟ أين فُقد عقلي؟ ما الذي يشغلني دوماً وأسعى إليه؟ حالةٌ من التيه وفقدان البوصلة! ربما بسبب تلك النكتات التي تنكت بالأسود في قلوبنا مع كل ذنب نذنبه، أو ربما بسبب تلك البصيرة والبركة التي ضلت طريقها إلينا بعد فوات طاعات ضاعت أوقاتها عبثاً ولهواً.
الترويح المتقَن
أحمد ومريم، كلاهما لديه الأعراض نفسها للمرض ذاته، غير أن مريم تجتهد في البحث عن الطبيب الموثوق حتى تصل إلى العلاج الشافي بإذن الله، بينما أحمد يكتفي بالمسكنات.
هكذا أعزائي الترويح الشافي، يحتاج إلى جهد في التنقيب عنه حتى العثور عليه، وربما يُبذل لأجله عديد من الجهود، لكن حينما تجده فسيكون ترويحاً مميزاً يعيد إلى أعماقك رونقها ويرمم تلك التصدعات التي أصابت اتزانك.
نحو ترويح يشحذ الهمم
١- الفرار من الشاشات.
يندر أن تجد الترويح المبتغَى في شاشة يتسمر أمامها جسدك ويتشتت من خلالها ذهنك، وقد ثبت علمياً أن هناك مجالاً كهربيّاً يتولد في دماغ الإنسان مقترِناً بنشاط الدماغ، فما بالك بمدى تصاعد هذا المجال وتأثيراته حيال الألعاب المتسارعة المليئة بالقتل والحروب وما على شاكلتها؟!
٢- البحث عن الرفقة.
تلك الصحبة التي تخرج معها الضحكات من القلب تباعاً، الناس التي تشعر معهم أنك على طبيعتك من دون تكلف، أولئك الرفاق الأمناء وحدهم من يجيدون العزف على أوتار ألمك ليُخرِجوا منها معزوفة تسعدك، وإن لم يستطيعوا، فعلى أقل تقدير يأخذون بيدك من ضيق الوحدة إلى سعة المشاركة، ومن كدر الضغوط إلى صفاء الترويح.
٣- الموازنة بين ترويح غايته المرح، وترويح ذي ثمر.
لا أستطيع أن أعارض الترويح لمجرد المرح كالذهاب منفرداً إلى مدينة الملاهي مثلاً، وركوب الأرجوحة التي تخرج معها الصرخات المنشطة للأدرينالين، لكن ربما إن كانت هذه الرحلة بصحبة عزيز لتوطيد علاقة أو علاج مشكلة لنلتَ بذلك الحسنيين، وماذا لو كانت ضمن فعالية منظّمة للأيتام مثلاً؟ تجدها بإذن الله حسنات كالجبال!
٤- كن على ترفيهك رقيباً.
لا تغفل، بل انتبه وتساءل دوماً عن منطقة ترويحك وترفيهك: هل ما زالت في نطاق المستحب والمباح أم تنزلق نحو المكروه ثم منحدر المحرمات؟ لا أحد أعلم بجواب هذا منك، فهل تعطيه حقه؟!
نافذة الأمل مفتوحة
نحن بشر، بمحدوديتنا وجبلتنا؛ نخطىء ونصيب، ننحرف ونستقيم، نضعف ونقوى؛ فإن أنت قويت فبالله وعليك الشكر، وإن أنت ضعفت فهي فطرتك وعليك الصبر. قال تعالى ” وخُلق الإنسان ضعيفا ” (سورة النساء). اصبر عن المعصية، وصابر ورابط على الطاعة فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
وحتى تدرك قيمة ضعفك الفطري، عليك أن تجرب لذة الذل إلى الله عز وجل والانكسار بين يديه والافتقار إليه سبحانه وتعالى:
“يارب لا أستطيع إيقاف انشغالي ولهفتي لمتابعة المسلسلات التركية، يا ربي أخرجها من قلبي”
“يارب أعجز عن تقليل ساعات الألعاب التي تؤخرني عن الصلاة وتشغلني عن أشياء أفضل منها”
إذا سقطتَ فأحسن الاستعانة بمن يريد أن يتوب علينا: “والله يريد أن يتوب عليكم” (النساء). فإن الوقوع الذي يعقبه قيام خيرٌ من وقوعٍ نستسلم بعده، بينما عدم الوقوع مطلقاً فذاك الذي لم أسمع به قَطّ، فهل سمعتَ أنت به؟
عذراً التعليقات مغلقة