عائشة صبري-حرية برس:
أمضتْ ريعانَ شبابها في تربيَّة ابنها وابنتها اللذين تركهما لها زوجها بعد وفاته في سنِّ ثلاثة أعوام وعامين في مدينة حلب، وبعدها بنحو خمس سنوات، أصيبتْ بسرطان العظام، لينتهي بها المطاف في مخيم “الفاروق” المخصص للأرامل في مدينة “سرمدا” شمالي إدلب.
تروي “يُسرى شريفة” الملقبة بـ “أم إبراهيم” (42 عاماً) حكايتها لـ “حرية برس” مع مرض سرطان العظام قائلةً: “لديَّ هشاشة عظام منذ عام 2008، وأجريتُ عمليَّة تبديل مفصل للحوض منذ عشر سنوات، ولكنّي في أيَّ لحظة قد أعجز عن المشي بسبب انتهاء عمل المفصل الصناعي بعد مضي عشر سنوات على تركيبه”.
وأضافت: ” اختلفتْ حياتي كثيراً بعد تهجيرنا من حلب في نهاية عام 2016، كنتُ أعمل في مجال التمريض وأستطيع تأمين هذه الأدوية، بالإضافة إلى مكافحتي بعد وفاة زوجي في عام 2003، ولم أتزوج مرَّة أخرى لأتفرّغ وأكرِّس نفسي لتربيّة ولديّ (إبراهيم 20 عاماً) وابنتي (أمل 19 عاماً)، لكن ومنذ خروجي من حلب مكثتُ في قرية “كورين” جنوبي إدلب، وساءت حالتي الماديَّة حتى وصلت إلى مراحل سيئة جداً، وباتتْ معيشتنا كلُّها بالاقتراض، ثم انتقلت للعيش في مخيم الفاروق للأرامل أنا وابنتي وطفلتها بعد ذهاب ابني للعمل في أحد مطاعم مدينة “عفرين” شمالي حلب، فليس لديّ مورد جديد أو أيّ مدخرات، وموردنا الوحيد الحالي هو عمل ابني”.
وأكدتْ “أم إبراهيم” أنَّ ما يزيد مُعاناتها هو فقدان الأدوية التي كانت تتجرعها سابقاً، وأوضحت أنَّ “الأدوية اللازمة لي يجب أن تكون صنع ألمانيا وكندا، وهنا يتوفر الدواء التركي والسوري فحسب، الذي لم يتوافق مع جسمي أبداً، ناهيك عن أن دوائي يجب تأمينه شهرياً إلى أن أموت، وبدوري أرسلت أسماء الأدوية إلى أكثر من منظمة إنسانيَّة، ولم تستطع المنظَّمات تأمينه لي كونه غالي الثمن، لذلك أنا أحاول تسكين ألمي عبر تناول ملعقة من حبة البركة على الريق ثم سبع تمرات، وبعدها أتناول مشروب عشبة (قسط الهندي) بعد نقعها بالماء من الصباح إلى العصر، وهكذا أتعالج منذ خروجي من حلب حتى الآن، ومنذ أيام انقطعت هذه العشبة من عندي، وبعد ذهابي لشراء كمية جديدة أخبرني البائع أنّها مفقودة وعليّ الانتظار حتى تأتي العشبة من حماة أو حلب، فهي الوحيدة التي تسكِّن ألمي كون الأدوية المسكنة جميعها لا تفيدني”.
وتابعت “شريفة” قولها: إنَّ “مشكلة هشاشة العظام تتزايد عندي، وقد أجريت تحليل دم مؤخراً فكانت نتيجته سلبية، وما يؤلمني أيضاً حرماني من رؤية ابني، فحين يُريد زيارتي توقفه حواجز السلطات المحليّة في ريف إدلب ويتهمونه بانتمائه إلى الفصائل في عفرين، وأخبرني في آخر مرة أنّه سئم الزيارة بسبب هذه المساءلة في كلّ مرَّة، ومنذ أيام قليلة أتيح لابني العمل في مدجنة غربي إدلب مع تأمين سكن فتحققت أمنيتي أن نجتمع سويةً في منزل واحد قبل شهر رمضان”.
وأضافت: أنَّه “ورغم صعوبة العمل له ولشقيقته لكنّي ارتحتُ نفسياً عما قبل، فالغرفة في المخيم رغم أنّها مبنية من الإسمنت إلّا أنَّ سقفها غير مدعم وكلَّما هطل المطر تسربت المياه فوق رؤوسنا محاولين تفاديها، بالإضافة إلى ملاحظتي الفرق في التعامل بالنسبة إلى توزيع المساعدات، فإدارة المخيم تعطي الكمية نفسها لنساء أرامل ليس لديهنَّ أولاد أسوة باللواتي لديهنَّ أطفال، وقدمت بنفسي شكوى إلى إدارة شؤون المهجّرين لكنَّهم لم ينصفوني، وسجلت في الحالات الخاصة بالمعوقين أيضاً، لكن لم يصلني شيء بعد”.
لابنتها أمل حكاية أخرى
وتطرّقت “أم إبراهيم” خلال حديثها إلى ما حصل لابنتها الأرملة أيضاً، وذكرت: أنَّ “زوجها استشهد جراء القصف على حي مساكن هنانو في 23/11/2016 ، ولديها منه طفلة (3 سنوات) وذلك بعد زواج استمر حوالى عام، وبعدها خُدعنا بشاب من مهجّري بلدة عرسال اللبنانيَّة، فزوّجته ابنتي من دون أيّ مُقابل مادي أو حتّى خاتم زواج، لأنّنا نُريد الستر ولم نتطرق إلى المال، وكتبنا مهراً على الورق قدره (25 غرام ذهب و350 ألف ليرة مقدم ومثلهن مؤخر)، لكنها طلبت الطلاق منه بسبب بخله وكذبه بعد بقائها معه ثمانية أشهر، وأنجبت منه طفلاً (9 أشهر)، والمحكمة في مدينة إدلب حكمت لها بمبلغ 800 دولار من المهر يدفعه الزوج بالتقسيط كلّ شهر 100 دولار، ونفقة للطفل عشرة آلاف ليرة سورية، لكنّه منذ شهرين يتنصّل من الدفع رغم تخفيض المبلغ المعادل للمهر المكتوب ويدّعي للقاضي أنّه لا يملك المبلغ المطلوب”.
ويعيش في مخيم الفاروق، حاليّاً 82 أرملة، و400 طفل وطفلة تقريباً، من بينهم عشر حالات صحية صعبة، مريضة سرطان ومريضة قلب، و4 حالات أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة و4 نساء عجزة، وهذه الحالات الصعبة ينقصها الدواء الذي لا يستطيع أحد تقديمه لهن، ويوجد للأطفال مدرسة في داخل المخيم للمرحلة الابتدائيَّة، ومدرسة خارج المخيم للمرحلتين الإعداديَّة والثانويَّة، وتؤكد النساء أنَّ المعيشة في المخيم بدأت مؤخراً بالتحسُّن عن السابق، بعد تكفل منظمة “فتح دار” بدعم وإدارة المخيم من النواحي كافة.
Sorry Comments are closed