“تحرير الشام” تقتل المعارضة

عمر الشيخ17 أبريل 2019آخر تحديث :
“تحرير الشام” تقتل المعارضة

لا يفاوض النّظام السّوري إلاّ “جبهة النصرة” الّتي لَبِسَتْ مؤخراً ثوباً جهاديّاً يحمل اسم “هيئة تحرير الشّام” القادمة من أفكار وعقائد الإسلام السّياسي. في الوقت عينه، يدّعي ذاك النّظام عداءه للهيئة، بينما يبرم اتفاقيات المعابر التجاريّة وتبادل الأسرى معها، لنكتشف مع الوقت أن العسكرة هي الأداة الّتي تريد القوى الفاعلة في الملف السّوري أن تكون موجهة للمصالح بعيداً عن أوهام الحلّ السّياسي والتفاوض وعودة الحقوق للشعب المنتفض ضدّ الظلم والطّغيان.

مؤخراً أكّدت تقارير إعلاميّة أنّ الروس في أثناء التحضير لاتفاقية “المناطق العازلة”، وهي آخر خطوط التماس بين مواقع سيطرة النّظام السوري وحلفائه ومواقع سيطرة المعارضة وعلى رأسها “تحرير الشام”، كانوا قد اجتمعوا مع هذه الأخيرة بتوجيه من أنقرة وحضور ممثلين عنها قرب ريف إدلب.

التفاهم المُشترك بين حلفاء أطراف الصراع في سوريا على حساب الثورة، هو أكثر ما يمكن تصديقه من ذلك، فالضوء الأخضر الّذي أخذته قوات النظام منذ فترة لاستهداف ما بقي من مواقع للمعارضة من ريف اللاذقية إلى ريف حماة الشمالي وصولاً إلى ريف حلب وإدلب وريفها، ما هو إلا مصيدة روسية من أجل إرسال تركيا مزيداً من القطع العسكرية للداخل السّوري لتثبيت “نقاط المراقبة”، تلك الّتي جعلت كل من روسيا وتركيا وإيران على الخطوط الأمامية وعزلت أصحاب الأرض عن قرارهم الحقيقي في القتال.

إضافة إلى ذلك، يمكن ملاحظة أن المعطيات الميدانيّة لتَحَرُّكِ جزء من فصائل المعارضة المسّلحة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي بمشاركة أساسية لقوات “تحرير الشّام”، إلى جانب تصريحات بعض قادة تلك الفصائل بوجوب الاستعداد لمعارك مع قوات النظام وحلفائه، تشير بشكل مباشر إلى أن هدنة سوتشي بين تركيا وروسيا بشأن آخر معاقل المعارضة، قد اتضحت معالمها بتقسيم المناطق وفرض قوة الحلفاء.

واللاعب الأساسي من جهة المعارضة الّذي تدعي موسكو أنّه يشكل خطراً على الشمال السوري هو هيئة تحرير الشّام الّتي تفرض وجودها المدني من خلال إقصاء القوى السّياسيّة المدنيّة الأخرى التابعة “للحكومة المؤقتة” مثلاً، وباقي الفصائل الّتي تدعمها تركيا بالعلن مثل “الجبهة الوطنية للتحرير” وما بقي من “حركة أحرار الشام الإسلاميّة”، في الوقت ذاته، تفرض هذه الهيئة شكل الحكم الذاتي الإسلامي الّذي تشهد به محاكمها العسكرية وأدبيات خطابتها وأجهزتها الأمنية والإعلامية وحواجزها وأمراؤها، مستخدمة الأدوات ذاتها الّتي تضعف وحدة المعارضة وتمكن أسلمتها المزعومة وتطرفها الجهادي وعنفها الموازي لعنف النظام.

ومع نظرة عميقة لهدف الأنشطة الدعويّة ومعاهد تحفيظ القرآن والتوجيه والإعداد الجهادي ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء، وفرض الصلاة والهيمنة على التعليم الجامعي وقتل الناشطين وإخفاء معارضيها وإرهاب القاعدة الشعبية للمعارضة، نتلمس كيف يشكل تنظيم هيئة تحرير الشّام، الابن البار لتنظيم الدولة الإسلاميّة، مناطق الحكم المتشدّد الّذي يريدها النّظام السّوري من أجل سحق باقي المعارضة أمام أعين المجتمع الدولي من خلال “مكافحة الإرهاب”!

وعادة ما تزعم تحرير الشّام أنّها تلاحق فلول “داعش” فيما يرتدي المقاتلون في صفوفها من سوريين ومن جنسيّات أجنبيّة ثياباً مموهة عسكرياً، تحمل الراية السوداء وعبارة التوحيد الّتي كان يرفعها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهذا ما يمكن العودة إليه في موقع وكالة إباء الناطقة باسم الهيئة، التي نشرت منذ أيام صوراً “لمقاتلين من الهيئة زعمت أنهم يستقبلون عدداً من الوجهاء والدعاة، في نقاط الرباط الجهادي في ريف حلب”.

إنّ تركيا تعرف جيداً كيف تدير مناطق الهيمنة المعارضة شمالاً، ولننظر إلى درع الفرات وعفرين ومدى التمدد التركي ضمنها خدميّاً وأمنيّاً. كما تدرك مدى مهارة وعنف وإرهاب تحرير الشام الّتي تخدم أجندة روسيا والنظام، لذلك فهي تسهّل التعاون الاقتصادي عبر الحدود معها وتدعم تغذية الكهرباء وخدمات التحويل المالية للمناطق الواقع تحت يد تحرير الشام، مقابل تعاونها الأمني الدائم ومرافقة الأرتال العسكرية التركية وهي تتوغل، والناتج هو هدر مزيد من الوقت أمام عيون الطامحين إلى الدفاع عن الثّورة ضد التديّن المزعوم والمبايعات الأمنيّة ومصالحة أمراء الحرب، ضد هذه الأداة الّتي شهدنا كيف أنجزت اتفاقيات “المدن الأربعة” وباعت عشرات المناطق وصعدت بالباصات الخُضر وورطت المدنيين بالسلاح والجهاد الكاذب كما باقي الفصائل التي تديرها دول إقليمية، ثم قبضت ثمن ذلك ملايين الدولارات وتركت الخيبات على وجوه آلاف الأسر التي وقفت معها ودعمت خيار القتال.

وها هي اليوم عبر ما تسميه “مجلس الشورى” الجديد، تدفع بالحياة المدنيّة إلى التهلكة المطلقة تحت غطاء سيطرتها التي تقضي على التعدّديّة السّياسيّة المدنية وعلى الحريّة في آخر معاقل هذه الثورة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل