عائشة صبري – حرية برس:
حرَّكت قوَّات نظام الأسد آلة القتل بشتَّى أنواع الأسلحة، وصبَّت جامَ غضبها على مدينة خان شيخون جنوبي إدلب مؤخراً، ما أسفر عن استشهاد وإصابة عشرات من أبنائها، وتُهجير السكان غالبيتهم، وسط أوضاعٍ مأساويَّة في ظل استمرار القصف.
في حديثه مع “حرية برس”، قال “حميد قطيني”، عضو المكتب الإعلامي في الدفاع المدني في محافظة إدلب، إنَّ “القصف المتواصل على خان شيخون من جانب قوَّات النظام، منذ 9 شباط/ فبراير الفائت، وحتى 23 آذار/ مارس الجاري، بلغ 1226 قذيفة مدفعية وصاروخ، و17 غارة جوِّيَّة، وتسببت الهجمات في وقوع 9 مجازر في صفوف المدنيين راح ضحيتها 52 قتيلاً و98 جريحاً”.
وأوضح “قطيني” أن الدمار في البنى التحتية للمدينة كان كبيراً، كما اندلع 20 حريقاً ونزح 90% من السكان، واستهدف القصف 7 مساجد هي: (الرحمن – أبو بكر الصديق – الروضة – علي بن أبي طالب – الشهداء – الهدى – إبراهيم الخليل)، و10 مدارس هي: (صالح ددو – أحمد طعان – فاروق الكنج – عبد الكريم حاج قدور – أحمد العطوي – ثانوية البنات – ثانوية البنات الغربية – ثانوية الفنون – أحمد النسر – خالد النجم)، بالإضافة إلى المجمع التربوي، ومخبز آلي.
وأضاف في تصريحه لـ”حرية برس”: أنَّه “من أصعب المواقف التي يتعرَّض لها فريق الدفاع المدني سباق الزمن تحت القصف لإتمام عملية الإنقاذ، وخاصَّة مع وجود أحياء عالقين تحت الأنقاض، وأكثر ما يُعيق عملهم هو القصف المزدوج، واستهداف أماكن متعدّدة في الوقت ذاته، مشيراً إلى انتشالهم خلال الهجمة الأخيرة 5 أشخاص على قيد الحياة، و11 شهيداً، ويستمر عمل انتشال العالقين من نصف ساعة إلى ثلاث ساعات، بالإضافة إلى إخماد الحرائق الناجمة عن القصف، وفتح الطرقات المغلقة”.
الواقع الإنساني والنزوح
وأكد المهندس “محمد حلاج”، مسؤول عمليَّات التتبع والتقارير في فريق “منسقي استجابة سوريا”، في حديثه لـ”حرية برس”؛ أنَّ “أعداد النازحين الموثَّقين في المنطقة منزوعة السلاح بلغ 20 ألفاً و875 عائلة (131 ألف و934 نسمة) موزعين على 33 منطقة، بينما يصل عدد غير الموثقين إلى أكثر من ذلك، ويُعاني الفريق والمنظَّمات معظمها من مشكلة الخلط بين النازحين السابقين والنازحين الجدد وصعوبة التمييز بينهما، لذلك يستغرق التأكد من الأعداد وإصدارها بشكل رسمي فترة طويلة، بينما يُواجه الفريق صعوباتٍ أهمها “الوضع الأمني، ونقص التمويل”.
وأشار “حلاج” إلى أنَّ أهم الاحتياجات بالنسبة للفريق في المرحلة الأولى “إيجاد المأوى بشكل عاجل لتحقيق الاستقرار للعائلات، ثم تأمين الحاجيات للمأوى، فالاستجابة من قبل المنظمات موجودة لكنَّها ضعيفة، وتستغرق وقتاً، ولاسيما ارتباط الأمر بداعمي كلّ منظمة على حدة، بينما المرحلة الثانية، هي وقف القصف لإحصاء الدمار والعائلات المتبقية في محيط خان شيخون والتح وجرجناز وغيرها، بشكل حقيقي، كي نستطيع التواصل مع المنظمات حتى تتحرَّك بشكل فوري”.
وبيّن “عبد الوهاب سفر”، ابن خان شيخون وعضو مجلس محافظة إدلب التابع للحكومة المؤقتة، أنَّ “النازحين توزعوا على أنحاء الشمال السوري المحرر كافة؛ ابتداءً من القرى المحيطة بمدينة خان شيخون، وصولاً إلى المناطق الحدودية مع تركيا، حيث يبحث الناس حالياً عن ملاذٍ آمنٍ أينما وجد، وكلُّ ربّ أسرةٍ همُّه الوحيد إبعاد أفراد أسرته عن شبح الموت والقصف الذي طال المدينة”.
وأضاف لـ”حرية برس” أنَّ “الجميع شاهدوا الأشلاء الممزَّقة والأطفال المقتولين، حيث أن الأجنة في بطون أمهاتها لم تسلم من القصف، فيما تبذل المنظَّمات الإنسانيَّة قصارى جهدها، إلَّا أنَّ الإمكانات أقل بكثير من حجم المعاناة، وحتّى اليوم يعد النزوح مؤقتاً، فالنازحون ينتظرون توقف القصف للعودة إلى منازلهم، لذلك هناك كثير من العائلات تقيم مع بعضها في أماكن ضيِّقة”.
ومن جهته، حدثنا الشاب “صهيب الصالح” عن عمليَّة خروج عائلته المكونة من 15 شخصاً، قائلاً: “عندما خرجنا كان القصف شديداً، وركبنا سيَّارة ودرَّاجتين ناريتين، وتوجّهنا إلى منزل عمتي في جبل الزاوية المؤلف من غرفة واحدة ومنافعها، تعيش فيها مع وزوجها ووالدته العاجزين، وفي ظل وضعها الصعب أقمنا جميعاً في هذه الغرفة، ثم بدأنا بالتفرُّق، حيث توجهت مع والدتي إلى خالي في مدينة إدلب، وتوجه شقيقي إلى منزل عائلة زوجته، وبقي والدي وزوجته الثانية وأولادهما عند عمتي. خرجنا بملابسنا، ولم يُقدِّم أحد لنا أيَّ مساعدات”.
كما سرد “ياسر زيني” حكاية نزوحه من خان شيخون إلى بلدة أطمة الحدوديَّة شمالي إدلب، للابتعاد عن دائرة القصف، إذ خرج هو وزوجته وأطفاله الخمسة، وشقيقته وابنها وعائلة زوجته، عددهم 15 شخصاً بواسطة سرفيس، وأخذوا معهم إسفنجات وبطانيات لكن بكمية غير كافية.
وأضاف لـ”حرية برس”: “أقمنا مع أربع عائلات في منزلٍ واحدٍ مؤلف من غرفتين منذ نحو شهر، وكانت المساعدات ضعيفة، فمجلس أطمة المحلّي سجّل الأسماء ورفعها إلى المنظّمات، وما زلنا ننتظر، باستثناء إعطاء كلّ عائلة بطانيتين، مع وعود بتقديم معونات من منظمة للنازحين الجدد وعددهم نحو سبعين عائلة”.
ومن جهته، قال “عبد المجيد سرماني” رئيس مجلس خان شيخون المحلّي: إنَّ “عمل المجلس المحلّي شبه متوقف حاليّاً بسبب القصف، حيث توقف في المخبز التابع للمجلس، وتوقف عمال النظافة والآليَّات عن العمل حرصاً على سلامتهم”.
وأضاف لـ”حرية برس” أنَّ عمل المجلس باتَ “يقتصر على بعض الأعمال الإغاثيَّة المحدودة، ولا يستطيع المجلس تغطية العائلات التي بقيت في المدينة على خلفيَّة عُزوف المنظَّمات الإنسانيَّة عن العمل في داخل المدينة نتيجة القصف، وهم في أمس الحاجة إلى المساعدة بسبب سوء الأوضاع الماديَّة”.
وبدوره؛ تحدث “طلال نجم”، مدير المكتب التعليمي في مجلس خان شيخون المحلّي، عن استهداف المدارس بشكل مباشر في خان شيخون، ما أدى إلى توقفها عن الدوام حرصاً على سلامة الطلاب والكادر التدريسي، كما وُثِّقَ مقتل أربعة تلاميذ، وقد أثّر النزوح سلباً على الطلاب بشكل خاص، علماً أنَّ المدينة تضم 26 مدرسةً منها 7 مدارس مدمَّرة بسبب القصف، وتضم هذه المدارس 10500 طالبٍ وطالبةٍ، و632 معلماً ومعلمةً، مناشداً المجتمع الدولي “توفير الأمان لهؤلاء الأطفال لكي يعودوا إلى مدارسهم ويتابعوا تعليمهم”.
الجانب السياسي
وصرح الرئيس السابق للهيئة السياسيَّة في إدلب وابن خان شيخون، “رضوان الأطرش”، أنَّه “بات من المؤكد ارتباط الملف السياسي بالملف العسكري، وخاصَّة في منطقة خفض التصعيد الأخيرة؛ حيث تركَّزت الهجمات الصاروخية على المدن التي تمرُّ منها الطرق الدوليَّة بين حلب ودمشق وحلب اللاذقية، المنصوص عليها في اتفاق سوتشي (17/9/2018)، وتحمَّل المدنيون العبءَ الأكبر لهذا القصف، وأدى ذلك إلى موجة نزوح كبيرة”.
وأضاف لـ”حرية برس”: أنَّ “القصف كان من جانب النظام وبغطاء روسي واضح، والهدف منه تحقيق مكاسبٍ روسيَّةٍ شرق الفرات، ومحاولة روسيَّة جديدة لخلط الأوراق، وربط ملف إدلب مع شرق الفرات؛ متذرعةً بعدم قيام تركيا بواجباتها حيال الفصائل الراديكالية، وتأخير تنفيذ بنود اتفاق سوتشي”.
ومن جهته يقول “مأمون معراتي”، رئيس المجلس المحلي السابق لخان شيخون: “ومع وجود نقط المراقبة التركيَّة، نُطالب الضامن التركي بالتحرُّك لوقف هذا القصف الهستيري من جانب المعسكرات الروسيَّة وطائرات الأسد، الأمر الذي ينعكس سلباً على واقع المدينة الخدمي التي كان يقطنها في وقت سابق نحو 95 ألف نسمة بينهم حوالى 23 ألف نازحٍ”.
وإزاء إعلان تركيا تسيير الدوريات بين نقاط المراقبة التركيَّة يوم 8 مارس الجاري في إدلب، أوضح “معراتي” أنَّ استمرار القصف عقب تسييرها ما هو إلا “رسالة أراد الروس والنظام توجيهها إلى الضامن التركي، “دوريات صباحيَّة وقصف مسائي”، وما ننتظره في الأيام القادمة هو وقف القصف، وعودة الأمان إلى لمنطقة، حتَّى يعودَ المهجّرون إلى منازلهم”.
ومن جانبه، أفاد “رضوان الأطرش” أنَّ تكرار القصف يُؤكد عدم الثّقة في النظام والروس والإيرانيين؛ تحت ذريعة وجود الفصائل الراديكالية التي تنتظر حلًا من جانب تركيا حسب اتفاق سوتشي، وإن كان الهدف من الدوريات مراقبة الطرق الدوليَّة بعد تشغيلها، فإنَّ ذلك يتطلب عدداً أكبر من القوَّات، وهذه الدوريات لن تفي بالغرض.
يُذكر أنَّ خان شيخون تُعرف بمدينة الزيتون لكثرة زراعة أشجاره، ويعمل سُكّانها معظمهم في مجال الزراعة، ويتصفون بالبساطة. ذاع اسمها في الأواسط الدوليَّة في عام 2012، إثر وقوع مجزرة أمام المراقبين الدوليين خلال مهمتهم، راح ضحيتها أكثر من أربعين قتيلًا وعشرات الجرحى، واكتسبت شهرتها الأخيرة نتيجة مجزرة الكيماوي التي وقعت في نيسان/ أبريل 2017، إذ قُصفت بغاز السارين وخلّفت نحو 100 قتيل و400 مصاب معظمهم من الأطفال.
عذراً التعليقات مغلقة