منذ تلك اللحظة وذلك التاريخ المشؤوم الذي تبنى فيه تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، تفجير برج التجارة العالمي في 11 أيلول من العام 2001، والذي راح ضحيته مئات القتلى والجرحى في أكثر عمل دموي يستهدف الأبرياء في المدن الآمنة وفي أماكن عملهم، تحت ذريعة التصدي للعدوان الأمريكي والدفاع عن الإسلام والمسلمين، بات واضحا أن هناك حقبة جديدة تنتظر المسلمين في كل الدول الاجنبية التي يعيشون فيها ووضعهم تحت مجهر البحث والتشكيك في انتمائهم لمجموعات إرهابية متطرفة فقط لأنهم “مسلمون”.
إن انتقال القاعدة إلى العراق وتشكيل فرع جديد تحت قيادة الزرقاوي، ثم مبايعة عدة تنظيمات إسلامية أصولية وإعلان ولائهم لها (كتنظيم القاعدة في المغرب العربي، حركة الشباب الصومالية، قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) وتوسع الرقعة الجغرافية التي يسكنها غالبية مسلمة زاد الطين بلة وخصوصاً إن كل تلك التنظيمات الأصولية المتطرفة تعتمد على قاعدة فقهية أساسية في عملها وهي إعلان الحرب على غير المسلمين والتعامل مع كل إنسان غير مسلم كهدف محتمل وشرعي لاستهدافه من أجل تحقيق غايات سياسية بإسم الإسلام والمسلمين.
وأخيراً جاء تنظيم داعش الإرهابي ليؤكد النظرية السابقة ويرسم صورة نمطية ومشوهه تشمل جميع المسلمين في الإعلام الغربي، وأحياناً على ألسنة بعض سياسي الدول الغربية أيضاً، قبل النشاط الحالي للأحزاب اليمينية في أوروبا واتساع تأثيرها ونجاحها في الوصول الى صناعة القرار في بعض الدول الأوروبية أو على الأقل تعطيل بعض القرارات التي تصب في صالح ما تقوله وتكرره دائما تلك الدول “في الحفاظ على قيم التسامح والدفاع عن حرية الإنسان وحقوقه”.
السؤال القديم والمتجدد دائماً ماذا فعل المسلمون لتغيير هذه الصورة؟ أو بالتحديد المهاجرون المسلمون إلى دول الغرب ذات القيم والعادات والثقافة المختلفة؟
ربما جاءت الحادثة المؤسفة لمقتل المصلين الخمسين في نيوزلندا على يد إرهابي أبيض مسيحي متطرف لتؤكد المثل العربي القائل “رب ضارة نافعة”، فقد قدمت نيوزيلندا ومسلموها ذوي الأقلية في هذا البلد والذي لا يتجاوز عددهم 1% من سكانها نموذجاً فريداً في الإنسانية والعدل والتسامح والعيش المشترك.
قدمت الحكومة النيوزلندية نموذجاً شجاعاً وعملياً بتصنيف العمل كعمل “إرهابي” وأجبرت رئيسة وزراء نيوزيلندا كل وسائل الإعلام الغربية والعالمية والعربية على نقل الخبر بهذه الصفة، وهي هنا ساعدت المسلمين في كل العالم بالتخلص تدريجيا من لصق صفة الإرهاب بهم وحدهم لأنهم”مسلمون”.
كل الإجراءات التي قامت بها الحكومة والشعب في نيوزيلندا كانت لافتة بشكل إستثنائي بالتعبير عن تعاطفهم الكبير مع مواطنيها بغض النظر عن اختلاف الدين والعرق واللون، والتضامن الذي قدمه الشعب بطرق وأساليب مختلفة وجهت أنظار العالم كله لهذا البلد الصغير، من خلال شاشات التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت كالنار في الهشيم صور وفيديوهات لوسائل التضامن المختلفة التي أظهرها هذا الشعب الجميل، من الرقص التقليدي الخاص، إلى تجمعهم في الساحات ورفع صوت الآذان لأول مرة على العلن احتراما للتعاليم الدينية للضحايا الذين سقطوا، لأكوام الزهور المكدسة أمام الجوامع وبيوت أهالي الضحايا، إلى ارتداء رئيسة وزراء البلاد للحجاب وإلقاء التحية باللغة العربية (السلام عليكم)، إلى زيارات جماعية قام بها السكان إلى جامع النور للتعرف على مكان الحادث وطمأنة المسلمين أن مكان العبادة لهم سيبقى آمناً وصولاً لأغرب حادثة يمكن أن يتخيلها المرء، بأن العصابات نفسها في هذا البلد وهم بعين كل المجتمعات (مجرمين) قدموا عرضاً لحماية المساجد، وأخيراً إعلان يوم الجمعة 22 آذار موعداً لمسيرة حاشدة ترتدي فيها النساء الحجاب.
نعود للسؤال الذي طرحناه سابقاً؛ ماذا فعل المسلمون ليتخلصوا أو يحدّوا من تنامي الإسلاموفوبيا؟
أظن أن مسلمي نيوزيلندا نموذج جيد للمواطنين في الدول الغربية، لا شك أن الحكومة النيوزلندية والشعب يمتلكان وعياً وتسامحاً كبيراً للتعامل بهذا الشكل الذي شاهدناه، ولكن يجب ألا نغفل أيضا الدور الايجابي الذي لعبه مسلمو نيوزيلندا في الاندماج والتعايش دون التفريط بحقوقهم بممارسة تعاليم دينهم.
كون الأغلبية المسلمة مسالمة في مجتمع ما لا يعفيهم من المسؤولية بشرح أنفسهم ودينهم وحياتهم المخالفة للآخر، دون فرضها على الآخرين ودون إظهار أنفسهم أنهم الافضل ودينهم الأصح…، جميع المسلمين الذين اختاروا طوعاً أو كرهاً بسبب الحروب العيش في دول الغرب يجب أن يتعلموا احترام قوانين وعادات وتقاليد الدول الجديدة، وبدون أي أحكام لأن الأحكام المسبقة إن كان منشأها ديني أو بسبب العادات التقاليد لن تسمح للمسلمين بأن يصبحوا جزء من نسيج الدول المستضيفة لهم والتي تحولوا لمواطنين فيها، ليس من المنطقي أن يخرج مسلم ويعيب وينتقد تقاليد وعادات المجتمع الذي يعيش به لأنهم ليسوا مسلمين، ويريد أن يستفيد من قوانيين البلد وحمايته وصون حريته، دون أن يبذل أي جهد في فهم وتفهم معنى الأختلاف في المظهر والطعام والشراب والتجمعات، ولا يقتصر واجب المسلم عند التقيد باللوائح والقوانين فقط، لأن الإنسان كائن إجتماعي ولا يعيش لوحده حتى ينغلق على ذاته في بعض الحالات التي نراها لدى المجتمعات المسلمة في أوروبا.
كل فعل يقابله رد فعل، وأظن أننا نسينا أو تناسينا أن هناك عشرات حالات الطعن والدهس داخل الدول الأوروبية يعلن منفذوها بكل صفاقة أنهم مسلمون وأن ما يفعلونه حق، أين إدانتنا نحن لمثل هذه الأعمال؟ أين صوتنا وتضامننا الحقيقي وخصوصاً المسلمون في تلك الدول؟ كيف سيعرف شعوب تلك الدول أنكم حقاً متضامنون معهم وترفضون هذه الأعمال جملة وتفصيلاً؟. إذا لم تعيشوا معهم وتندمجوا بمجتمعهم وتكونوا جزء من مشاكل وهموم البلد الذي تعيشون به، لن يشعر بكم أحد ولن يتضامن معكم أحد ولن تتغير الصورة النمطية عنكم، وستبقون تعيشون في كينونات منغلقة كدولة داخل دولة، وثقافة داخل ثقافة وأفكار مشوهة عن الآخر لن تتغير أو تتبدل، بل ستزداد العزلة أكثر فأكثر مما يسمح لأي تطرف أن يزداد لديكم أو بحقكم فكل ما نجهله نخاف منه وهذا ينطبق على الشريحة الأوسع التي تعيشون بها ستبقى تجهلكم وتخاف منكم ويصدق السذج والبسطاء ومن لديه ميل للتطرف أي شيء عنكم، وأظن أننا يجب أن نشكر نيوزلندا التي فعلت ما لم نستطع نحن أن نفعله لأنفسنا، علّ وعسى أن نعيد التفكير بالطريقة التي يجب أن نقدم بها أنفسنا كمسلمين ونكون أكثر جرأة بالاعتراف بكل أخطائنا في النظر لأنفسنا وللآخرين ولديننا ونترجم بشكل عملي ما نعبر عنه دوماً بالصوت بأن دين الإسلام دين تسامح ويرفض القتل وضد العنف ولا يستهدف الآخرين ونثبت أننا نعيش كما وصف الرسول (ص) الإسلام: لا ضرر ولا ضرار.
عذراً التعليقات مغلقة