تبرز العديد من التساؤلات وإشارات الاستفهام حول ما نشره ابراهيم الحميدي في صحيفة الشرق الأوسط عما سماه الحوار السني العلوي السري في برلين؛ إن لجهة توقيت الإعلان وطريقته أو بخصوص مضمونه وخلفياته.
ربما يحمل إعلان انتهاء الحوار بالتزامن مع الذكرى السنوية الثامنة لاندلاع الثورة السورية دلالات خفية؛ لكن الغريب أن يكون قد استغرق ذلك الحوار أكثر من سنتين لإنتاج صغير الحجم أطلق عليه أصحابه تسمية “مدونة سلوك لعيش سوري مشترك” وأعلنوا أنها تمثل مجموعة من المبادئ العامة فوق دستورية، وأعلنوا تأسيس “مجلس المدونة السورية” على أمل الحصول على دعم اجتماعي لها.
شارك في الجولات الحوارية كما أشار الحميدي 24 شخصاً تم اختيارهم باعتبارهم ممثلي مكونات ولهم صلة بالبيئة الحاضنة؛ منهم 11 من داخل البلاد والبقية من الخارج، وكان من بين “سوريي الداخل” تسع شخصيات علوية هم نواب سابقون وأبناء شيوخ وشخصيات مؤثرة ذات علاقة بالمجتمع والدولة إلى جانب معارضين و”ثوار” من قادة عشائر وشخصيات كردية ومسيحية.
لم يتم الإفصاح عن الجهات التي قامت باختيار الشخصيات ولا طريقة ونسب التمثيل التي اعتمدتها لاعتبار الحضور يمثلون أطياف ومكونات المجتمع السوري، ولماذا جرى الإعلان عنه تحت اسم حوار سني علوي؟ وهو يناقض لما ذكر الحميدي أنهم أجمعوا على أنهم شاركوا ويشاركون -باعتبارنا سوريين ونرفض تقديمنا باعتبارات طائفية وإلا نكون حرفنا المشروع عن هدفه-.
دارت جلسات الحوار السرية كما ذكر الحميدي في باريس وزيوريخ وبرلين؛ ويفترض أن يشير ذلك للدول الراعية مع توقعات أن يكون له امتدادات أبعد وأوسع..
ما يثير التساؤل عن مجريات الجلسة الختامية التي عقدت السبت في مكان ما من برلين بقي سراً لم يفصح عنه؛ حجم وطريقة الإجراءات الأمنية التي رافقتها والتي وصلت لحد مصادرة الهواتف وأي جهاز إلكتروني والخضوع لحماية خبراء في الإرهاب!
ويزيد في الاستغراب أسباب التكتم على الأسماء الحقيقية للمشاركين من داخل البلاد رغم تأكيدهم علم السلطات السورية بعملهم ومضمون الحوارات والوثائق المتفق عليها؛ فمن هي الجهات التي يخشون بطشها أكثر من نظام الأسد؟ ثم كيف يطلبون التأييد الاجتماعي وهم لا يمتلكون الجرأة للإفصاح عن هوياتهم أمام المجتمع السوري؟
تتألف “مدونة سلوك لعيش سوري مشترك” من مجموعة مبادئ عامة موجزة؛ لكنها لا تتحدث من قريب أو بعيد عن الثورة السورية! كما أنها لا تشير لنظام الأسد ولا تحمله بالتالي أي مسؤولية عن الأوضاع الكارثية في البلاد جراء ما قام به من حرب ضد الشعب السوري الذي طالب بالحرية والكرامة!
وضعت المدونة مبدأ المكاشفة والاعتراف ومبدأ لا غالب ولا مغلوب في محاولة للخروج من مأزق مسدود في ثنائية نظام-معارضة؛ كما كرست مبادئ لا غالب ولا مغلوب ومحاسبة لا ثأر ولا أحد بريء من الذنب وجبر الضرر ومتابعة الملف الإنساني بغرض معالجة الحالات الإنسانية من قتل واعتقال وتدمير وتهجير تحت غطاء من الوعود بإيجاد حلول لها، وتحدثت المدونة عن مبادئ وحدة الأراضي السورية والهوية التنوعية للمجتمع السوري وجماعية التراث السوري رغم أن نتائج الحوار صدرت تحت اسم حوار سني علوي!
لا يمكن فهم قبول نظام الأسد بمبدأ لا أحد بريء من الذنب؛ وهل بات يعتقد فعلاً أنه خارج إطار المحاسبة والمساءلة وحصل على تأكيدات دولية بذلك؟
لا تكفي شمولية مبادئ المدونة وإيجازها للاتفاق حولها أو تأييدها دون معرفة خلفيات ومصالح الدول الراعية لهكذا حوار سري بين شخصيات مجهولة لا تمثل السوريين، تستمر الدول في التلاعب بالملف السوري وبعض السوريين من خلال محاولة تجاوز الثورة السورية ونتائجها العميقة في المجتمع السوري والسعي لتعويم نظام الأسد من خلال فعاليات محدودة هزيلة لا تعبر عن تطلعات السوريين في الحرية والكرامة.
من المعيب أن ينخرط بعض السوريين في حوارات على أسس طائفية كما أن على الدول المتدخلة والمؤثرة في الملف السوري إبعاد تلك الشخصيات الهزيلة من المشهد فيما لو رغبت في انتقال سياسي حقيقي؛ والالتفات لعقد مؤتمر حوار وطني حقيقي يضم ممثلي الشعب السوري ينتج عقد اجتماعي يأخذ بالاعتبار أولاً وأخيراً الثورة السورية ونتائجها.
عذراً التعليقات مغلقة