* فراس علاوي
“طبيب الإنسانية” لقب أطلقه عليه زملاؤه واستحقه عن جدارة.
قبل انطلاق الثورة السورية كان معروفاً ومتميزاً في اختصاصه بالجراحة العامة وجراحة الأوعية؛ ومع انطلاق الثورة ترك كل المغريات خلفه وانطلق في عمله ليثبت للجميع أن الطب هو عمل إنساني قبل أن يكون مادياً.
أجرى مئات العمليات الكبرى والصغرى ولاحقه النظام في كل مكان ذهب إليه، وبسبب قلة الاختصاصات فقد عمل باختصاصه وبغير اختصاصه.
نال منه التعب الجسدي والنفسي كثيراً، فقد كان يقوم أحياناً بثلاث أو أربع عمليات في اليوم دون كلل أو ملل، لكن للإنسان طاقة إحتمال لايستطيع تجاوزها.
ذات يوم وقد كان الجميع قد سهر الليل في غرفة العمليات حتى الخامسة فجراً بسبب كثرة الإصابات؛ كان الدكتور عبد الملك قد أجرى العديد من العمليات من بينها عمليات مفاغرة شريانية وهي عمليات دقيقة جدا وتحتاج لتقنيات عالية.
كان التيار الكهربائي يقطع خلالها؛ أو نضطر لإطفاء الأنوار خشية الطيران، كان العمل يتم على ضوء البطارية (الشاحن) وهو ضوء خفيف، ومع ذلك كان العمل الجراحي يبقى مستمراً، ذلك اليوم كان مضنياً ومتعباً حتى كاد الإعياء يصيب الجميع رغم أنهم تبادلوا الأدوار، أما الدكتور عبد الملك فقد كاد يسقط مغشياً عليه من شدة التعب والإرهاق ما اضطر الطاقم لمساندته وإحضار كرسي له ليجلس عليه ويتابع عمله.
ومع إنتهاء العملية اضطر لمغادرة المستشفى إلى مكان آخر لإجراء عملية أخرى.
ولشدة الإعياء فقد غلبه النعاس وهو يقود سيارته ما تسبب له بحادث سير كاد يودي بحياته، ومع ذلك عاد للعمل مجددا بعد أن تعافى وهو ليس الحادث الأول الذي حصل معه نتيجة الإعياء والتعب.
حالة أخرى من حالات كثيرة حصلت معه..
ففي أحد الأيام وقد كان ضغط العمل شديداً وغرفة العمليات تغص بالمصابين كان الدكتور عبد الملك يشعر بتعب وإعياء شديدين، ومصابا ً (بكريب) حاد مع ارتفاع بدرجة الحرارة ووهن بالجسم؛ وهو صاحب الجسد النحيل.
حاول طاقم العمل القيام بواجبه كاملاً وهم يرون مايعاني منه الدكتور عبد الملك؛ لكنه لم يستطع الجلوس وهو يرى الإصابات تصل ولايقدم لها شيئاً، حاول النهوض لكن كان التعب والوهن الذي أصابا جسده كثيراً؛ لذلك فقد اضطر الطاقم أمام إصراره على العمل أن يوافق، بعد أن أخذ الأدوية المناسبة؛ وتعليق سيروم له؛ حيث دخل غرفة العمليات وهو يعلق السيروم وبدأ العمل وسط زملائه الذين كانوا إلى جانبه يساندونه.
مريض يقدم خدماته لمريض.. تعالى على الألم حتى يقدم مايستطيع.
هذا غيض من فيض مما قدمه “طبيب الإنسانية” بحق؛ فقد أعطى مهنته حقها وإنسانيته حقها ولم يبخل بعلمه ومعرفته عن أحد، ففاز بقلوب الناس وتقديرهم وهي كنز لايقارن بمال ولاسلطة.
المفارقة الكبرى أن من كان يقدم حياته لينقذ الناس هو طبيب؛ بذات المهنة التي يعمل بها رأس النظام والذي يحسب على الأطباء أيضاً!!
طبيب يبني .. وطبيب يدمر!!
عذراً التعليقات مغلقة