مع حلول الذكرى الثامنة للثورة السورية ما تزال المراجعات النقدية تمثل ضرورة وأولوية، خاصة فيما يتعلق بتأثير ودور التدخلات الخارجية في حرف الثورة عن مسارها.
ركزت معظم الدراسات والمقالات على وصف ومتابعة تحولات الثورة مع غياب المعايير النقدية المنهجية وشيوع أساليب الهجوم والشتائم والتخوين بين أطياف المعارضة؛ ولم تنفع وسائل إعلام الثورة والمعارضة ولا شبكات التواصل الاجتماعي في خلق فضاء من التقارب في التشخيص، وطرح حلول جدية لمعضلة باتت مستعصية بعد تأصلها في الجسد الثوري.
بدأ تقبل التدخل الخارجي، لا بل طلبه وانتظاره منذ بدايات الثورة؛ ودفع لذلك مجريات ثورات الربيع العربي في تونس مع هرب بن علي، وفي مصر مع تنحي مبارك؛ حيث جاء ذلك تحت ضغط مظاهرات شعبية عارمة، وتلبية مطالب أمريكية مباشرة، وساد اعتقاد قوي في أوساط الناشطين والمعارضين بإمكان استنساخ التجارب نفسها في سوريا، مع انتظار إطلاق أوباما نداء الرحيل للأسد.
وقعت المعارضة في مطب استعجال تشكيل المجلس الوطني بناء على دفع الداعمين، في خطوة لاستنساخ التجربة الليبية في إسقاط القذافي؛ ثم جرى تحويلها نحو تشكيل الائتلاف الوطني لتبرير عملية تفاوضية مع النظام، تفضي كما قيل إلى عملية انتقال سياسي وفق جنيف 1، وجرى بعد ذلك تشتيت المعارضة في منصات تتبع داعميها؛ الأمر الذي مهد إلى تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات وفق قرار مجلس الأمن 2254، وهو ما أدى إلى تحجيم صريح للمعارضة الممثلة للثورة، وتلا ذلك انطلاق مسار أستانا برعاية ثلاثية من روسيا وتركيا وإيران، ومشاركة فصائل عسكرية من الجيش الحر، ما منح النظام مكاسب ميدانية واسعة، وقزم العملية السياسية برمتها إلى حدود تشكيل لجنة دستورية.
ما تلام عليه المعارضة ليس مجرد التواصل مع دول وجهات خارجية، بل الجهل المفرط في منطق العلاقات الدولية القائم على المصالح الاقتصادية والقومية، بعيداً عن العواطف الإنسانية وحقوق الإنسان؛ وكان يفترض بها التعامل بندية لا تبعية مع الدول؛ من خلال مصالح مشتركة بما يضمن أهداف الثورة السورية والمصالح الوطنية السورية أولاً.
وقعت المعارضة في فخ استسهال إسقاط الأسد بدعم خارجي، من دون فهم الدور الوظيفي الذي لعبه النظام خلال عقود إقليمياً ودولياً؛ حيث استطاع النظام التخلص من عدة حالات حصار وإسقاط خارجي عبر تقديم تنازلات دراماتيكية في اللحظات الأخيرة، ضمن سياسة حافة الهاوية التي يجيدها، من أجل رفع الحصار الغربي.
في الثمانينات تحول النظام إلى التسويق لحرب الخليج الأولى ضد العراق، والمشاركة فيها إلى جانب قوات التحالف الأمريكي الغربي، كما استغل الملفات المخابراتية لتنظيمات القاعدة وفروعها التي قام باختراقها ثم المقايضة عليها مع الغرب بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003، ويجهد في استغلال الملفات الأمنية لمواطني الدول الغربية في تنظيم داعش، في فك الحصار عنه وإعادة تأهيله والتطبيع معه، وهو الدور الذي يلعبه علي مملوك في اتصالاته السرية المكوكية.
لا يمكن إلقاء اللوم بالكامل على المعارضة وناشطي الثورة في التعامل مع جهات أو دول خارجية؛ فقد تعرضت الثورة بالفعل لمؤامرة وعمليات خداع وغدر منظمة من الداعمين الذين انقلبوا عن تأييدهم المعلن للثورة إلى البحث عن مصالحهم وحل خلافاتهم على حساب الشعب السوري ومصالحه الوطنية، ولم يكن هناك أي توقعات أو إمكان لإعادة تأهيل نظام الأسد، بعد كل هذه الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري.
رغم أنها كانت بهدف تحقيق أهداف الثورة، إلا أن وتيرة التدخلات الخارجية ازدادت نحو اغتصاب قرار الثورة واستقلاليتها، ما أدى إلى ظهور موجات واسعة من التشاؤم واليأس في صفوف الناشطين، وعزوف كثيرين منهم عن المشاركة في فعاليات ثورية، ولو أضيف ما قام به نظام الأسد من تشريع وجود قوات احتلال وقواعد عسكرية على الأراضي السورية، تبدو مهمة استعادة السيادة الوطنية والتملص من الارتباطات والضغوط الخارجية وعباءة الداعمين والممولين مهمة شبه مستحيلة في الوقت الراهن.
بداية الصحوة أن تقوم الثورة بتثبت قاعدة أساسية لا تحيد عنها، تقوم على حرمان الغرباء من مساس جلد الثورة ونهشه، واقتصار ذلك على أبناء الثورة الأوفياء.
عذراً التعليقات مغلقة