لم تكن السنوات بين 2011 – 2019 مجرد زمن مر على سوريا، فهي تحمل بين طياتها عشرات آلاف الأرواح التي خسرناها، يضاهيها عشرات آلاف المعتقلين والمغيبين والمفقودين، وملايين المشردين الذين وجدوا أنفسهم بدون منزل أو وطن، عائلات بأكملها رمت أنفسها في البحر أملاً بوطن يحن على أبنائها ولايرميهم ببراميل الموت.
ثماني سنوات خسر الشعب فيها عمله وأرضه وماله، وخانه أشقاؤه والمجالس والهيئات الدولية كلها، ولم يتركوا له إلا خيام الذل وفتات الإعانات الغذائية.
في كل عام يمر على الثورة يزداد عدد الأرامل والأمهات الثكالى، ويزداد خجلنا أمام كل الخراب. في كل عام نقف وننتظر أن نتلمس بوادر الحرية التي انتظرتها سوريا وأهلها.
ثماني سنوات لم يتورع النظام المجرم خلالها عن قتل كل من طالته مناظير قناصاته بدم بارد؛ لم تفرق بين طفل وامرأة وشيخ، تطور بعدها من “الآر بي جي” إلى الهاون والمدافع المدمرة على اختلاف أنواعها، وبعدها استسهل إزهاق الأرواح فكان طيرانه بدايةً، ثم أغرت لعبة الموت السورية طيران كل وغد أراد تجربة سمومه على أرضنا وشعبنا وأرواحنا.
لكن برغم كل ما مر به الشعب؛ رغم الخوف من أساليب البطش والذل كلها وطرق الموت المتعددة، خرج الشعب طوعياً بصرخة واحدة (حرية)، معبراً فقط عن وجعه وألمه، عن حلمه بحياة أفضل في وطن يعرف عنه أنه غني بثرواته التي يبتلعها ثلة من المتنفذين.
كذلك وفي مثل هذا اليوم، وممن أطلقوا على أنفسهم مؤيدين أو رماديين أو محايدين؛ ثلة من السذّج الذين قتلوا باسم الأديان والطوائف حمّلوا أبناء طائفتهم ذلك الذنب الكبير بأنهم وقفوا ضد الحق مع الباطل؛ فقد استغل النظام نظرية الأقليات ليسبغ عليهم كل ما لديه من سموم طائفية، ومن ثم بحجة البقاء طلب منهم أن يقفوا إلى صفه، تارة بالترغيب وتارةً أخرى بالترهيب والتهديد لقتال من أطلق عليهم النظام (تارة مندسين.. وتارةً أخرى جراثيم واستقر في النهاية على مصطلح إرهابين تماشياً مع المزاج الدولي). لقد جُنِّدَ جزءا من الشعب في حمل السلاح ليقتل جزءاً كبيراً من الشعب نفسه، متذرعاً بأنهم مسلحون.
لن نقول إنها ذكرى؛ فالثورة ما زالت مستمرة رغم كل الجراح والفقد والخذلان، رغم الموت المتربص بمن تبقى من الشعب السوري ورغم الخوف والرعب من أنواع العفاريت كلها المتربصة وراء الجدران.
يبقى فقط أن نقول لكل من ما زال يعتبر نفسه غير معني أو يعجبه مصطلح رمادي: لن ننسى خذلانكم وقد آن لكم أن توقنوا أن من عذب أطفال درعا هو نفسه من ذبح وقتل أطفال اللاذقية، وهو ذاته من أدخل مفخخات الموت إلى الأحياء الفقيرة في حمص المدّمرة، هو ذاته من حرم الشعب نعمة الدفء وقنن عليهم كل المواد النفطية، وهو من اخترع الأزمات الغذائية لتجويع الشعب بحجة سرقة الطحين، ومن ثم أشار بإصبعه الممرغ بالدم إلى أن الإرهابيين من فعل ذلك، وهو من خرب شبكة الكهرباء ليشير بذات الإصبع إلى أنهم الإرهابيون أيضاً، ومن ثم رمي شعار “الأسد أو نحرق البلد”.
لذلك.. هو نفسه من أحرق البلد، لأنه لم يعد مقبولاً لدى شعبه، وليته اكتفى بحرقها، بل رمى فتات السموم واستحضر كل جيوش الأرض ليكون الخراب عامراً، حتى باتت سوريتنا ركاماً على ركام وحجراً بالكاد يستند إلى حجر.
في الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة، يصدح صوت أهل درعا الأحرار مجدداً برغم كل الخوف والبطش والاعتقالات.
سراقب وإدلب وخان شيخون تحرق بكل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً تحت ظل اتفاقات مشبوعة وصمت دولي مريب، ومع انتشار بعض المقولات الفردية التي تتكلم عن أن الثورة باتت تأكل أبناءها.
نرد عليهم أن الثورة يحرسها أبناؤها الحقيقيون فحسب، وهي لم تأكل أحداً، بل لفظت كل من لم يكن ابناً باراً لها. ماقدمته الثورة على مدى ثماني سنوات من دروس وبطولات، مسؤولية كبيىرة أُنجِزَت ووُثِّقَت لتكون شاهداً ودليلاً للجيل القادم الذي سيكمل المشوار وسيعلم أننا لم ولن نقبل بالذل، ويداً بيد.. سيكمل ما نكافح من أجله.
لا للذل ولا لحكم الاستبداد، ولن نرضى عن إسقاط النظام بديلاً.
عذراً التعليقات مغلقة