تداول السوريون والعالم، على مدى الأسبوعين الماضيين، صورا أظهرت بشار الأسد كالتلميذ المطيع في حضرة رؤساء دول يفترض بهم أن يكونوا حلفاءه.
في صورة، ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مخاطبا جنودا روسيين على أرض مطار قاعدة حميميم الجوية السورية. خلف بوتين أعلام روسية وقف إلى جانبها ضباط روس، ومعهم الأسد، الذي بدا وكأنه ينظر إلى الأرض، بحرج، وهو يبتسم.
والصورة ليست الأولى التي تظهر الأسد ذليلا في حضرة بوتين، إذ سبق للدعاية الروسية أن وزعت فيديو يظهر فيه الأسد وهو يهم باللحاق ببوتين، الذي كان يبدو متوجها إلى طائرته، لكن ضابطا روسيا أمسك الأسد من ذراعه، ومنعه من اللحاق بالرئيس الروسي. وفي صور لزيارة قام بها الأسد إلى موسكو، ظهر بوتين محاطا بجنرالاته، والأسد جالسا ـ بلا وزراء ولا مساعدين ولا مستشارين ـ إلى الطاولة نفسها.
في صورة زيارة الأسد إلى طهران، المشكلة نفسها: قادة إيران يجلسون ويجلس معهم وزراؤهم ومستشاروهم، فيما الأسد يجلس وحيدا. والمشكلة نفسها في إيران أيضا لناحية غياب العلم السوري عن اللقاء بين الرئيس حسن روحاني والأسد. وسريعا وللمقارنة، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا أظهرت روحاني وهو يستقبل نظراءه من حول العالم، وفي كل واحدة من الصور، ظهر علم دولة الرئيس الضيف خلفه.
لا ضير من اعتبار أن المصادفة هي التي أدت إلى وقوف الأسد ذليلا خلف بوتين، أو جلوسه وحيدا أمام روحاني. والأخطاء تحصل، مرة أو مرتين، ولكن أن يظهر الأسد في كل لقاءاته مع بوتين وحيدا ذليلا بلا أي معالم سيادة، وأن يظهر كذلك في حضرة المسؤولين الإيرانيين، أمر يثير الريبة، ويشي أن الدعاية الروسية مقصودة، وهدفها تثبيت أن لا ندية بين بوتين والأسد، بل إن بوتين هو السيد، والأسد هو التابع.
الإيرانيون بدورهم، أرادوا تأكيد أن ذل الأسد أمام بوتين لا يعني أن بشار الأسد صار رجل الرئيس الروسي، فبث الإيرانيون صورا مشابهة، تظهر الأسد وحيدا ذليلا في حضرتهم، بلا علم، ولا وزراء، ولا أي معالم سيادة.
أما الأسد، فكل ما يمكنه فعله هو التظاهر بالسعادة، وربما العودة إلى سوريا وقصف حي أو أكثر من الأحياء السكنية السورية، إذ على قول المثل المشرقي “من لا يقدر على حماته، يستقوي على مرته (زوجته)”.
ولتأكيد سطوته الوهمية أكثر، يتظاهر الأسد وكأنه ما يزال يدير، أو على الأقل يؤثر، في المشهد اللبناني، ويطلق عنان المتبقين من حلفائه ـ وهم من السياسيين من أصحاب الوزن الخفيف ـ في شتم خصومه اللبنانيين. لكن تأثير الأسد في لبنان يكاد يقارب العدم، ونفوذ حلفائه هو بفضل قوة “حزب الله”، ولو كان الأسد ما يزال يتمتع بأي نوع من النفوذ في لبنان، لما كانت لوائح الإرهاب التي أعلنها، ووضع في صدارتها رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، مجرد حبر على ورق. حتى السياسيون اللبنانيون من حلفاء الأسد، لم يتوانوا عن المشاركة في حكومة الحريري، مع أن الأسد أعلن أن الحريري إرهابي.
ربما لم تكن خيارات الأسد كثيرة، إذ مع تقهقر قواته أمام الثوار، كان يمكنه أن يترجل من مرتبته الألوهية التي ورثها عن والده، ليتحول مواطنا عاديا أسوة بباقي السوريين، وأن يتفاهم معهم ويسعى لبناء وطن ذي سيادة وكرامة للجميع.
لكن الأسد آثر أن يسلم أمره إلى ملالي إيران، أولا، وبعدها إلى قيصر روسيا. الملالي والقيصر، بدورهم، لم ينقذوا الأسد مجانا، بل مقابل استيلائهم على قراره وسيادته؛ هكذا صار الأسد تحت رحمتهم، يعيش ذليلا في سوريا بلا سيادة.
“الأسد أو نحرق البلد” كان شعار مقاتلي الأسد ضد المتظاهرين السلميين السوريين. فعلا، أحرق الأسد وأزلامه البلد، وصار الأسد رئيسا بلا بلد، وتاليا بلا سيادة، وبلا ندية مع رؤساء العالم الآخرين. لم يدرك الأسد أنه في سعيه لإذلال السوريين، أذلّ نفسه.
عذراً التعليقات مغلقة